161

فقه العبادات على المذهب الحنفي

تصانيف

تجب الزكاة بإجماع الفقهاء في نقود الذهب والفضة وسبائكها إذا تحققت فيها شروط وجوب الزكاة.
كما تجب الزكاة في المَضْروب، من الذهب والفضة، ولو خالطه معادن أخرى بنسبة قليلة، لأنه لا عبرة للمغلوب. ويعتبر المغشوش قليلًا كالخالص. وإن كان مخلوطًا بنسبة كبيرة يقوّم كالعروض، إلا إذا كان يخلص منه ما يبلغ نصابًا، أو أقل وعنده ما يتم به النصاب، أو كان أثمانًا رائجة وبلغت من أدنى نقد تجب زكاته، فتجب الزكاة وإلا فلا.
نصاب الذهب والفضة:
نصاب الذهب عشرون مثقالًا (١)، ودليل ذلك ما روي عن علي ﵁ أن النبي ﷺ قال: (فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار) (٢) .
ونصاب الفضة مائتا درهم (٣)، ودليل ذلك ما روى جابر ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه قال: (ليس فيما دون خمس أوراق (٤) من الوَرِق (٥) صدقة) (٦) .
والعبرة للوزن إذا كان كل صنف على حدة بلغ نصابًا، أما في ضم الذهب إلى الفضة فالعبرة للقيمة، إذ يجوز ضم أحد النقدين إلى الآخر، بل يجب إذا لم يكن لكل منهما نصاب لإتمام النصاب، لأنهما من حيث الثمنية شيء واحد.
وإذا كان لكل منهما نصاب أدى منهما بغير ضمّ. ولو أراد صاحب نصابين مختلفين ضمهما ليدفع الزكاة من نوع واحد، جاز بشرط أن يكون الضم لمصلحة الفقير.
وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة حتى يتم النصاب كما يضم الذهب إلى الفضة. ويكون الضم باعتبار الأجزاء عند الصاحبين وباعتبار القيمة عند الإمام، فلو كان لدى شخص نصف نصاب من الفضة وربع نصاب من الذهب، فعند الإمام يضم باعتبار القيمة وتجب الزكاة، وعند الصاحبَيْن يضم باعتبار الأجزاء فلا تجب الزكاة.

(١) أي ما يعادل (١٠٠) غ ذهبًا.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٤/١٥٧٣.
(٣) أي ما يعادل (٧٠٠) غ فضة.
(٤) أوَاق: جمع أوقية، وهي أربعون درهمًا.
(٥) الوَرِق: وهو الفضة.
(٦) مسلم: ج ٢ / كتاب الزكاة /٦.
مقدار الزكاة في النقدين:
الواجب في الذهب والفضة ربع العشر مطلقًا، وما زاد على النصاب فاختُلِف فيه:
-١ - قول الإمام أبي حنيفة: لا تُدفع الكسور حتى تبلغ خمس النصاب، أي أربعين درهمًا في الفضة وأربعة مثاقيل في الذهب. وذلك لما روي عن الحسن البصري قال: "كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري ﵄: فما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهمًا درهم" (١) .
-٢ - قول الصاحبين: ما زاد على النصاب فبحسابه قل الزائد أو كثر، لما روي عن علي ﵁ أن النبي ﷺ قال: (هاتوا ربع العشور، من كل أربعين درهمًا درهم. وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك ...) (٢) .
والعبرة عند الدفع للوزن إن كان دفع من جنس النصاب، وللقيمة إن دفع من غير جنسه أو في حالة ضم الجنسين لبعضهما.

(١) الجوهر النقي (بذيل السنن الكبرى للبيهقي): ج ٤ / ص ١٣٥.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٤/١٥٧٢.
زكاة الحَلْي وأدوات الاستعمال المتخذة من الذهب والفضة:
تجب الزكاة في الحلي وأدوات الاستعمال المتخذة من الذهب والفضة مطلقًا، سواء أكانت مباحة أو محرمة الاستعمال، متى بلغ المملوك منها نصابًا. وذلك لما روي عن أم سلمة ﵂ قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب فقلت: يا رسول الله ﷺ أكنز هو؟ قال: (ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) (١) .
والعبرة فيه لوزن الذهب الصافي أو الفضة لا القيمة. مثلًا: من كان عنده إبريق من الفضة وزنه (١٥٠) غ وقيمته مائتين فلا زكاة عليه.

(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٠.
سبب وجوب الزكاة فيها:
الثمنية التي تجعلها محلًا للنَّماء، فاقتناؤها يوجب الزكاة. والدليل على ذلك ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله ﷺ ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسَكَتان (١) غليظتان من ذهب. فقال لها: (أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسوركم الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي ﷺ وقالت: هما لله ﷿ ولرسوله) (٢) .

(١) المَسَكَتان: بالتحريك تثنية مَسَكَة، وهي هنا السِّوار.
(٢) أبو داود: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٣/١٥٦٣.
زكاة اللآلئ والجواهر:
لا تجب الزكاة في اللآلئ والجواهر وإن بلغت قيمتها آلافًا، لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: (لا زكاة في حجر) (١) إلا أن تكون للتجارة ففيها الزكاة، لما روي عن سعيد بن جبير قال: "ليس في حجر زكاة إلا ما كان لتجارة من جوهر ولا ياقوت ولا لؤلؤ ولا غيره إلا الذهب والفضة" (٢) .

(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٦.
(٢) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٦.
زكاة الأوراق النقدية:
المعتمد هو أن تدفع الزكاة مطلقًا عن الأوراق النقدية سواء كانت تحت يد صاحبها أو مُوْدَة في المصارف.
وسبب وجوب الزكاة فيها أنها سدَّت مسدّ النقدين في التعامل والرواج فأخذت حكمهما في وجوب الزكاة، ولأن وجوب الزكاة في النقدين هو لخاصة الثمنيَّة، فإذا وجدت في غيرهما كالأوراق النقدية أخذت حكمهما في وجوب الزكاة.
ويجب فيها ربع العشر كما في الذهب والفضة.
زكاة المعدن والرِّكاز:
الرِّكاز: لغة: الإثبات.
وشرعًا: مال مركوز تحت الأرض سواء كان بخلق الله من كل معدن منطبع (١)، أو كان مما كنزه الكفار في أرض عشرية أو خراجية أو مَفَازة أو جَبَل، وجده مسلم أو ذمي.

(١) المنطبع: القابل للطرق والصفح.
مقدار زكاة الركاز:
-١ - إن كان من دَفْن الجاهلية ففيه الخمس، يدفع لبيت مال المسلمين، لما روي عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (... وفي الركاز الخمس) (١) . والباقي لمالك الأرض إن وجد أو ورثته أو لبيت مال المسلمين. أما إن وجد الركاز في صحراء أو مفازة فالباقي عن الخمس لواجده ولو كان ذميًّا.
وأما المعدن (٢) فلا شيء فيه إن وجده في داره أو حانوته عند الإمام أبي حنيفة وقالا فيه الخمس. وإن وجده في أرضه فهناك روايتان عن الإمام؛ فعلى رواية الأصل لا شيء فيه وعلى الرواية الأخرى - وهي موافقة لقول الصاحبين -: هناك فرق بين الأرض والدار ووجهه أن الدار لا مؤنة فيها أصلًا فلم تخمس فصار الكل للواجد بخلاف الأرض فإن فيها مؤنة الخراج والعشر فتخمس. والأخذ بهذه الرواية أوْلى.
وليس للحَرْبي شيء من الركاز إن استخرج بغير إذن الإمام، فإن كان بإذنه فله ما شرط فيه.
-٢ - إن كان الركاز من دفن المسلمين، كأن يكون عليه طبع يدل على أنه بعد الإسلام، فحكمه حكم اللُّقَطَة (٣) .
-٣ - إن لم تظهر عليه أية علامة اعتبر من دَفْن الجاهلية.
-٤ - إن وجد الكنز في أرض الكفار أو صحرائها فلا يخمَّس، بل هو لواجده كله ولو كان مستأمنًا. أما إن وجده في أرض مملوكة رده إلى مالكه تحرزًا من الغدر، فإن هرب به مَلَكه مُلْكًا خبيثًا سبيله التصدُّق.
-٥ - إن وجد الفيروز والياقوت والزمرد في جبل أو مفازة أي في مواضعها، فليس فيها شيء، فإن كانت من كنز الجاهلية ففيها الخمس لكونها غنيمة.

(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الزكاة باب ٦٥/١٤٢٨.
(٢) خرج بقولنا المعدن الكنز فإنه يخمس ولو وجده في أرض مملوكة لأحد أو في داره.
(٣) اللقطة إن لم يعرف صاحبها بعد سنة من تعريفها والمناداة عليها، فإن كان الملتقط فقيرًا انتفع بها على شرط الضمان، وإن كان غنيًا تصدق بها على شرط الضمان أيضًا إن ظهر صاحبها ولم يُجِزِ الصدقة.
مصارف الزكاة:
هي مصارف الغنائم رغم أن الركاز أُلحق بالزكاة. وبناء على هذا يجوز للواجد أن يصرف الخمس على نفسه أو ولده إن كان فقيرًا بحيث تكون أربع أخماس دون النصاب.
أما ما يستخرج من البحر سواء أكان لؤلؤًا أم ذهبًا مدفونًا في قاع البحر، فليس فيه شيء. لما روي عن ابن عباس ﵄ أنه قال: "ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره البحر" (١) .

(١) البيهقي: ج ٤ / ص ١٤٦.

1 / 161