ولا يكف الناس أبدا عن إيجاد تعليل.
ومع هذا بقي السبب الحقيقي لا يكاد يصدقه أحد.
فالسوق أول الأمر لم تكن سوقا، وإنما كانت قطعة أرض بور لا ينبت فيها زرع، رأى أهل القرى المجاورة أنها أقرب مكان يفدون إليه مثقلين بالغلة والبلح والجبن، ويعودون وقد خفت أحمالهم بالدمور والمرايا والسكاكين الخارجة لتوها من تحت يد الحداد، وكانت تلك الأرض جزءا من الأملاك الواسعة التي آلت لأحد أعيان الجهة الذي ينحدر من سلالة من ترك أو مماليك، الله وحده يعلم.
ورأى المالك في قدوم الناس ومواشيهم إلى أرضه البور كسبا له وطريقة لإخصاب الأرض حتى يزرعها بعد حين، ولهذا سمح لهم بالقدوم، بل كان يشجعهم على القدوم حين يمر وسط زحمتهم راكبا فرسه وموزعا ابتساماته الراضيات.
ولما رأى أن الأرض قد استوت للزرع بما خلفته فيها المواشي من بقايا، أراد حرثها وحرثها، ومع هذا قدم إليها الناس مثقلين وغادروها خفيفين، وبططوا الحرث وأقاموا السوق.
وطرد الناس وحرثها مرة أخرى.
وفي الأسبوع التالي أقيم السوق أيضا وبطط الحرث.
وأشار عليه أيامها ناظره العجوز أن يستغل الأرض بطريقة أخرى، فيترك الناس يجيئون على أن يأخذ ضريبة على المتسوقين، وأخذ المالك بنصحه، وفي الأسبوع التالي انطلق محصلوه يترصدون القادمين ويجمعون الإتاوة ، ولكي يزيد الإيراد ويقلل المصاريف أقام حول الفضاء سورا من الخشب جعل له بابا على الطريق الزراعي، وجعل على الباب محصلا واحدا.
وهكذا وجدت سوق السبت، وما لبثت أن عمرت وازدهرت وأضيفت إلى بلادها بلاد، وأضيفت إليها هي سويقات للحمير والجمال، واكتملت أصنافها حتى من «البوظة السادة» والعرقسوس.
وكنت تعرف أن السبت يومها حين تجد الناس في الصباح الباكر يزحفون صوب السوق من كل اتجاه، وتجد الطرق المؤدية إليه قد حفلت بلابسي العمائم والجلاليب والذين بلا عمائم أو جلاليب، وراكبي الحمير وساحبي الأبقار، وحاملي المقاطف وطالقي الجواميس والمتوكلين على الله.
صفحة غير معروفة