تسألني هل جنيت ثروتي، فأجيبك أني من حيث المالية بين أبي وجدي، فلما كان جدي وسميي «سيفالس» في سني، كان يملك ما أملك الآن، وقد ضاعف ثروته أضعافا؛ أما والدي ليسباس فأنقصها عما هي الآن، وأنا راض بأن يرث أولادي ليس أقل مما ورثت عن والدي، بل أكثر قليلا.
س :
سألتك هذا السؤال لأني أراك معتدلا في حب الثروة شأن الذين ثراؤهم تالد، أما الذين جنوه فحرصهم عليه أضعاف حرص أولئك، وكما يولع الشعراء بحب ما نظموا، والوالدون بحب من نسلوا، هكذا الذين جنوا ثروة هم كلفون بها، لا لمجرد استخدامها كما يفعل السوي؛ بل لأنها جني حياتهم، وذلك يجعلهم عشراء سوء؛ لأنهم لا يمتدحون إلا الثروة.
سيفالس :
هذا صحيح.
س :
فقل لي بحقك، ما هو الخير الأعظم الذي جنيته من الثروة؟
سيفالس :
إذا أبديت رأيي، فقلائل هم الذين يوافقونني فيه، فكن على يقين يا سقراط أنه متى شعر المرء بدنو الأجل، خامرت قلبه المخاوف والهموم التي لم تكن تروعه فيما سلف، يوم كان يهزأ بروايات ما وراء القبر، ومعاقبة الإنسان عما جنى. أما الآن فغدا يضطرب جزعا مخافة أن تكون تلك الروايات صحيحة، ويزيده تصديقا لها إما ضعفه الناشئ عن الهرم، أو قربه منها فعلا. ومهما يكن العامل فإنه تملؤه المخاوف والريب، فيأخذ يفكر: ترى هل أساء إلى أحد بشيء ؟ فإن كان قد أساء كثيرا في حياته، فإنه يستيقظ حينذاك من غفلته يقظة الأحداث من نومهم، وقد علت فوقهم الصيحات، فيسوده الذعر والشقاء. أما إذا لم يشعر بأنه أساء، فهو كما قال بندار:
يظل مبتهجا مهما يطل أجلا
صفحة غير معروفة