120
لباب الغرام
أحداث مسرحية «لباب الغرام» تدور حول ملك اليونان متريدات، الذي يشن حربا على روما انتقاما لمقتل والد خطيبته «مونيم»، وتأتي الأخبار بأنه مات في المعركة، فيحضر ابنه «فرناس» - أمير إحدى المدن - محاولا الاستيلاء على الحكم، وإجبار «مونيم» على الزواج منه، ولكنها ترفض، كما يحضر الابن الآخر «إكسيفار» - أمير إحدى المدن النائية - حزينا على والده، ممنيا النفس بالزواج من «مونيم» التي أحبها في الماضي، وعندما علم بأن أباه خطبها آثر البعد، وتدور مناقشة محتدمة بين الشقيقين حول أحقية فرناس بالحكم، ومحاولة إكسيفار ثنيه عن عزمه هذا، فتتدخل مونيم في النقاش وتنكشف عاطفتها تجاه إكسيفار، وفي هذا الوقت تأتي أخبار بأن الملك ما زال حيا. وعندما يعود الملك يعرف من وزيره ما دار بين ابنيه ومونيم، فيزج بهم جميعا في السجن، وبعد فترة يعفو الملك عن فرناس الذي جهز جيشا وتمرد على أبيه وانضم إلى أعدائه، وقرر قتل الجميع ليفوز بالملك، وفي الوقت نفسه يهرب إكسيفار مع مونيم من السجن، وبعد عدة أحداث ينجح الأب في قتل ابنه فرناس لخيانته، ولكن جيش الأعداء كاد يهزم متريدات، فخشى الملك من الوقوع في الأسر ذليلا، فحاول قتل نفسه، في الوقت الذي يظهر فيه إكسيفار وينتصر على الأعداء وينقذ والده. وبهذا الفعل يتأكد الملك من شجاعة ابنه إكسيفار فيتنازل له عن العرش وعن خطيبته، وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة.
وهذه المسرحية كتبها القباني متأثرا بمسرحية «الملك متريدات» لراسين - من خلال اطلاعه على تعريب للمسرحية، قاما به سليم تقلا كما نرجح،
121
أو عن طريق آخر كما يرجح آخرون
122 - مع ملاحظة أن عرض هذه المسرحية من قبل القباني لا يعتبر خرقا لتوجهه في إحياء التراث العربي؛ لأنه حول معانيها إلى أوبريت جيد في نثره وشعره، وفق مفردات رسالته المسرحية، لما وجده في النص الأصلي من معان صالحة للعرض أمام الجماهير، تتفق مع موضوعاته التراثية السابقة، بما فيها من أحداث تاريخية إيجابية لتمثلها من قبل المشاهدين، أو سلبية لتجنبها من قبلهم، مثل الشجاعة والمروءة والحب العفيف والإخلاص والوفاء والغدر والخيانة والخسة والدناءة ... إلخ، وبالتالي يضمن القباني تحقيق هدف رسالته.
وإذا كان القباني أثبت قدرته الشعرية في أعماله السابقة، فهو في «لباب الغرام» تفوق على نفسه وأظهر مهارة شعرية ملحوظة - تضاف إلى مهارته في تطبيق منهج رسالته - حيث لم يقتبس سوى بيتين فقط من الصاحب بن عباد
123 - حسب اجتهادنا في تخريج الأشعار - مقابل نظمه لأكثر من ثلاثمائة بيت، خلافا لعشرات الأبيات التي كتبت بأشكال مختلفة من الشطرات الثلاثية والرباعية والخماسية، التي تدخل في جنس الموشحات، وهذا الكم الهائل من النظم كان موجها نحو ترسيخ مفردات رسالته، آملا تحقيق هدفه؛ حيث دارت هذه الأشعار حول معاني المسرحية المتنوعة - السابق ذكرها - من شجاعة ومروءة وحب وإخلاص ... إلخ؛ مما يعني تمسك القباني بمبدأ حركة الإحياء في مواجهة الثقافة الغربية بالثقافة العربية عندما حول معاني راسين إلى أشعار عربية أصيلة.
ومن ابتكارات القباني الكتابية في هذه المسرحية - التي تدخل ضمن تنوع أدوات منهجه - أنه كان يمزج - في الحوار المسرحي - النثر بشطرتي الأبيات العمودية، ثم بشطرات الموشحات - الثلاثية أو الرباعية أو الخماسية - مزجا فنيا متوافقا في معانيه ومضامينه للتعبير عن الأحداث، وهو شكل جديد لم نعهده في الكتابات المسرحية السابقة أو اللاحقة لكتابات القباني.
صفحة غير معروفة