ويحق للقارئ الاعتقاد بأن ما فعله القباني - من حذف وإضافة - كان بسبب رؤيته في الإخراج المسرحي، وهو أمر يحسب له - في هذه الفترة المبكرة - ويدل في الوقت نفسه على تدخله في نصوص غيره وفق رؤية رسالته المسرحية، وهذا الاعتقاد - من وجهة نظري - يمثل نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فيتضح من المواضع التي حذفها القباني من مخطوطة المسرحية، وأصر على عدم تمثيلها أمام الجمهور! وهي مواضع تؤكد مدى تمسكه برسالته الفنية، وصرامته في تطبيق منهجه في ظل إحياء التراث، وذلك من خلال تمسكه بعاداته العربية وتقاليدها، وحفاظه على تعاليم دينه الإسلامي، ومهاراته الفنية في إبعاد أي قول يمس - ولو بغير قصد - ثوابت هذه الأمور.
فعلى سبيل المثال: حذف القباني حوارا طويلا - شغل عدة صفحات في مخطوطة الأحدب - بين حسان وأبي عامر، حول أسباب العشق وعلاماته، تطرقا فيه إلى أمور وتفاصيل وعبارات وشواهد غير لائقة العرض أمام جمهور عام 1884م، مما يؤثر سلبا على تحقيق هدف رسالته المسرحية. ومن أمثلة ذلك: علامات المحب لمحبوبه، ومنها: «محبته القتل والموت ليبلغ رضاه»،
65
وهو قول يتعارض مع قوله تعالى:
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ، ويتعارض أيضا مع قوله تعالى:
قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (سورة البقرة، الآيتان: 190، 94).
ومن علامات المحب أيضا - كما جاءت في النص المخطوط للمسرحية: «تصديق حديثه وإن كذب في ما قال».
66
وهذا تسويغ غير مقبول للكذب، يتعارض مع آيات قرآنية كثيرة، منها:
ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (سورة البقرة، 10)، و
صفحة غير معروفة