وعلى هذا نشأت كثير من الصناعات البتروكيمائية في موانئ استقبال ناقلات البترول الخام، وصناعات النسيج في موانئ استقبال خامات النسيج، وصناعات إعداد الأغذية والمكيفات في موانئ استقبال الخامات الزراعية.
وقد لوحظ أيضا أن الموانئ التي تمت فيها هذه الصناعات تقع غالبها على نهاية طريق ملاحي داخلي (نهري)؛ مما يؤدي إلى خفض تكلفة نقل السلع المصنعة إلى داخلية البلاد في اتجاه الأسواق الرئيسية. ومن الأمثلة على ذلك نيويورك التي تقع على نهاية طريق نهري داخلي هام يربطها بمنطقة البحيرات العظمى الأمريكية والكندية (طريق هدسن-موهوك)، وتبلغ العمالة الصناعية في نيويورك حوالي مليون شخص من مجموع سكان مجمع نيويورك المديني البالغ أحد عشر مليون شخص. وروتردام أيضا - التي تشتهر بالصناعات الغذائية والمكيفات، تقع على أهم طريق نهري داخلي في أوروبا الغربية (الراين)، وتخدم بذلك هولندا وبلجيكا وحوض الراين الألماني الفرنسي السويسري. وهناك أمثلة أخرى هامة: منتريال على نهر سانت لورنس، شنغهاي على مصب الطريق الملاحي العظيم في وسط الصين: اليانجتسي، الإسكندرية على الطريق الملاحي الصناعي (ترعة المحمودية) إلى الدلتا، مرسيليا عند مصب الرون، هامبورج عند مصب الألب، ليفربول عند مصب الميرزي، كلكتا عند مصب الجانج، وغير ذلك من الأمثلة كثير.
خريط رقم 3-4 (3) أنماط النقل العالمي
إن تفاعل العوامل الذاتية للنقل والعوامل الجغرافية الطبيعية والبشرية والاقتصادية، قد خط الهيكل العام لنمط النقل بأشكاله المختلفة، ولكننا نعود إلى أن نخص مرة أخرى نوع النشاط الاقتصادي بدرجة تأثير فعالة على شبكة النقل في الأقاليم المختلفة. ويمكننا أن نخلص - في هذا المجال - إلى قاعدة عامة وبسيطة:
كلما كان النشاط الاقتصادي مركبا ومتعددا فإنه يؤدي إلى شبكة نقل كثيفة متنوعة.
وبتطبيق هذه القاعدة يمكننا بسهولة أن نعمم نمط النقل في العالم من حيث كثافته ونوعه على النحو التالي: نقل كثيف ومتوسط وبسيط. (1)
نقل كثيف متعدد الوسائل: (بحري مع موانئ متعددة هامة - نهري - حديدي - بري - جوي مع تعدد الموانئ الجوية الهامة - أنابيب الغاز والبترول - شبكات نقل الطاقة - شبكة الاتصال السلكي واللاسلكي ... إلخ): يتركز هذا النمط في البلاد الصناعية الشمالية من الولايات المتحدة عبر أوروبا إلى الاتحاد السوفييتي واليابان. وبطبيعة الحال تختلف الكثافة والنوع من ناحية الكم وليس من ناحية الكيف في المناطق الهامشية داخل هذا النطاق الشمالي، مثل نطاق البحر المتوسط الأوروبي باستثناء شمال إيطاليا، ومثل معظم اسكندنافيا الشمالية، والشمال السوفييتي وكندا الوسطى والشمالية، ووسط غرب الولايات المتحدة وشمال اليابان.
خريطة 3-5: نموذج لنمط النقل الكثيف: النقل في فرنسا. (1) السكك الحديدية الرئيسية والفرعية. (2) الطرق البرية الرئيسية. (3) الملاحة الداخلية في الأنهار والقنوات. (4) الخطوط الجوية الداخلية. (5) الموانئ الرئيسية. (6) مراكز شبكة النقل الجوي الداخلي الرئيسية. لاحظ تكاثف شبكة النقل الحديدية والبرية والنهرية في شمال فرنسا، ولاحظ النمط المتكاثف في ظهير مرسيليا ووادي الرون إلى ليون؛ ومن ثم إلى باريس في اتجاه أو إلى الراين في اتجاه آخر. لاحظ تعدد الموانئ الكبيرة بحيث لا يوجد ميناء واحد محتكر، ولاحظ تمركز شبكة النقل الجوي الداخلي حول باريس مع وجود مركز آخر في ليون، وأخيرا هيمنة باريس على الشبكة الكثيفة للنقل بحكم خلفيتها وتاريخها ونشاطها الاقتصادي. (2)
شبكة نقل متوسطة الكثافة يسيطر عليها عدد قليل من وسائط النقل: غالبا يسيطر على النقل البري الطريق الحديدي ويتعاون معه ولا ينافسه الطريق البحري، كما تظهر أيضا خدمة النقل البحري مركزة في ميناء رئيسي واحد لكل إقليم أو دولة، وكذلك يتركز النقل الجوي في ميناء جوي واحد رئيسي في الدولة أو إقليم جغرافي كبير (شبكة النقل السلكي متوسطة الكثافة).
هذا هو نمط النقل في البلاد المنتجة للخامات الزراعية والكثيفة السكان، وتظهر هذه البلاد في داخل إطار النطاق المداري والموسمي من أمريكا اللاتينية (البرازيل والأرجنتين بصفة خاصة) في الغرب إلى عدد من دول أفريقيا الغربية، وخاصة نيجيريا وغانا، وغالبية دول البحر المتوسط والشرق الأوسط والهند وباكستان وجنوب شرق آسيا وشرقها، ويدخل في هذا النطاق أيضا دول الإنتاج الزراعي الجنوبية: نيوزيلندا وأستراليا وأفريقيا الجنوبية.
صفحة غير معروفة