أما أن أسلوب المنفلوطي يفوق أسلوب جبران، فإننا لا نتفق في هذا يا شيخ، إننا نريد غير هذا الكعك، إنما من العجين، وبكلمة أوضح قد قرفنا خبز الملة.
ثم تقول لي: «وأما حملتك على شعراء العصر في التهاني والترحاب والاستقبالات فحملة مردودة؛ لأن كل شاعر مهما علت منزلته مضطر في مثل هذه المناسبات أن يقول كلمة شكر، ولا تكون كلمة الشكر آية من آيات الفن والخيال والتصوير والابتكار.»
أظن - وبعض الظن إثم - أن هنا «التخلص» يا أستاذ، فإن شئت رأيي في شعر الفرح والترح فإليكه: ليقل الناس الترحيب والتهانئ والتعازي نثرا فهو خير من هذا الشعر الدميم المقرف، وإن وفق الشاعر إلى إبداء عاطفته بفن وإبداع فليقل شعرا، أما متى قال شعرا مثل هذا الذي نقرأ فليطمره، ولا يدع الهرة أفطن منه كما قال البديع للخوارزمي.
ثم قلت - وأراك تقول كثيرا اليوم - «وهنالك أبيات كثيرة من غير هذا الباب فسرتها يا أبا محمد، بغير ما يريد صاحبها، أو شرحتها باستهزاء والمعنى فيها مقبول مأنوس، وليس بالصعب على كل ناقد أن يزدري قول أعظم شاعر متهكما، ويحمل ألفاظه مبتذلة مسروقة.»
أما أني فسرتها بغير ما يريد صاحبها فلا أظن، أما شرحها باستهزاء فهذا لا شك فيه، ولكن هل يتيسر لي هذا الاستهزاء إذا لم تكن الألفاظ والمعاني مبتذلة؟ أما السرقة فأظنني قبضت على مرتكبيها متلبسين بالجريمة، أما المعاني فأعترف لك أنني ما عدت أقنع منها «بالمقبول» ولا أغصب نفسي عليه.
اسمح لي أن أصارحك بما في نفسي يا سيدي الشيخ، يظهر أنها قصة الباذنجان، لا قصة منفلوطي وجبران، وإنك لمروان كما قال علي لعثمان: ليتك تفقأ هذه الدملة فتستريح.
ثم قلت: بقيت المحاسن يا مارون، أين هي؟ فقد يكون للشاعر بيت في قصيدة يعادل قصائد.
أظن أنني أشرت إلى بعض المحاسن يا أستاذنا، ولكن يظهر أن ما يسرك منها أكثر مما يسرني، وأنا لا أستطيع أن أرى إلا بعيني، وهي ضيقة كما يقول الناس، ولا تكبر الأشياء.
وأخيرا قلت: ويظهر أنك تريد أن تهدم البيوت على أربابها فتقتل جميع ما فيها، وكم هناك من كنوز تضيع بين الأنقاض، وليس هذا عمل النقاد المنصفين.
لا يا شيخ - يقطع السم - ترو قليلا، هل النقد في عرفك هدم؟ وهل هدمنا حتى الآن غير أكواخ عششت فيها البراغيث والبق والخنافس؟! ما هدمنا بعد يا شيخ غير أكواخ خشبية جريا على قوانين «البلديات» الحديثة، ليتك تسمي من تعني لنجول جولة حول هذه «الرمم» فتوافقني على هدها، رحمة بأولادنا، ولا يؤثر بقلبك الرقيق عويل أصحابها.
صفحة غير معروفة