رصين بليغ لا يمكن سبكه في قالب أبدع وأجمل، ولكن الفكرة طريدة أجيال ودهور، فمن عهد الخيام وأبي نواس حتى زمن إسماعيل صبري أمس، وهي تتدهور في حناجر الشعراء، الأخيار والأشرار منهم، أما قائلها الأول الذي لاكها ومسها أي مس ولم يترك إلا المجاجة، فهو إفرام السرياني الشاعر الصوفي العظيم في عرفي، والقديس الطاهر وملفان البيعة في عرف الكنيسة، ليت المقام يسمح لي فأترجم لك كثيرا من أقواله، لترى كيف كان يتغنج ويخاطب ربه بلا كلفة؛ أي
SANS FASONS
كما يقول الشيخ فولتير، ولكني لن أحرمك واحدة منها وهذه هي: «إن كان العبد بلا خطيئة فمن أين تعرف رحمة السيد، ارحمني يا الله ... إلخ.»
أرأيت الغنج والدلال، أأيقنت أن الله جل جلاله سبحانه وتعالى، طويل البال واسع الصدر، ما انتحر ولن ينتحر أحد من عشاقه الكثيرين، وسيعفو عنك عفوا كبيرا يليق بعظمته وجبروته، وبينما أنا أحاول ختم حديثي بالتي هي أحسن عن رواد أدبنا الحديث ودعاته في العالمين، وقد أدهشني إخلاصهم للغتهم، إذا بأحد تلاميذي - عراقي - وقد بلغه أني لزمت غرفتي لعارض فأتاني عائدا، فتجملت في محادثته هنيهة ثم عدت إلى شغلي، وأخذ هو الأندلس الجديدة والعصبة وأبا الهول وقلب أوراقها، وما كاد ينتهي من استقرائها جميعها استقراء عجلان حتى أعجب بعروبة أصحابها وكتابها، وقال لي بلهجته العراقية: هلقد عرب؛ أي أهم عرب بهذا المقدار؟
قلت: نعم وزيادة.
وهكذا أيد التلميذ معلمه، وأحسن ختام مقالة من حيث لا يدري.
وعندما قرأ الأستاذ جب هذه المقالة بعث إلي بهذه الرسالة، وهي ليست أولى رسائله، وقد آثرت نشر صورة لها ليقدر القارئ العربي همة هذا العلامة الكبير واهتمامه بأدبنا العربي الحديث. (2) جبران خليل تقي الدين
قرأت في جريدة «المكشوف» الغراء مقالة «جبران خليل جبران كما أفهمه» للشيخ خليل تقي الدين، فخلته يحدثنا عن طهرا بك الفقير الهندي الذي جاء بيروت منذ أعوام وعمل العجائب، أو عن «مغربي» جاز الدكتوراة من «مغارة دانيال» التي ينفتح بابها كل عام مرة كما يقول الناس.
أجل، إن جبران خليل تقي الدين أحجية لا تفك، فكأنه في مولده عمرو بن كلثوم، وفي موته أمية بن أبي الصلت.
ولماذا لا؟ ألم يقل الصديق خليل في جبران: فإذا مولده مطلع عهد جديد، وإذ وفاته تاريخ!
صفحة غير معروفة