أما الجاحظ الأديب، العالم العربي الأصيل، فرجونا بشأن ذكراه الألفية وزيرين عراقيين السيدين صادق البصام ويوسف عز الدين وما عملا له شيئا.
كان ذلك عام 1936 فجاء جواب البصام كما نقرأ: نشكركم جدا على ما أبديتم من عواطف سامية في كتابكم المؤرخ 21 / 6 / 1936، راجين لكم اضطراد التقدم والنجاح في خدمة العلم والأدب، وفقكم الله لما فيه خير البلاد وصلاح الأمة، ودمتم بخير.
صادق البصام
وزير المعارف
وراح البصام بعد أشهر وجاء عز الدين، فكتبت إليه فكان أكثر اهتماما من سلفه، وذهب الجاحظ بلا ذكرى وإن كان الخالد بدونها.
إن ما حدث اليوم بين دولتي العراق وفارس، هو وفق لما يحدث في كل بلد، يختلف «ملاكان» على شبر أرض ويهملان أملاكهما الواسعة، ويتركانها بورا بلا حرث ولا غرس.
قرأت في جريدة تلغراف: «إن الإيرانيين يعتبرون ابن سينا مواطنا لهم، بسبب ولادته في إحدى مناطق بلاد العجم» هذا ما ظهر اليوم، أما الحقيقة فهي أن الإيرانيين لا يعتبرون ابن سينا وحده عجيبا، بل يحصون في تاريخ الأدب الفارسي الكثيرين من كبار رجالات الأدب العربي كابن المقفع، وبشار بن برد، وبديع الزمان، وغيرهم، لقد طالعت هذا المؤلف منذ أعوام فقلت في نفسي: لم يبق لنا غير أبي عثمان، ولما وقع حول أبي علي هذا التنافس تذكرت هذه الصفحة مطوية، فبعثتها من مرقدها.
إن الشيخ الرئيس ابن سينا عظيم حقا، ولكن هذا لا ينسي العراق ابنها الأصيل، إن الرجل الذي دق إسفينا في كل صخرة من صخور الفلسفات والمذاهب، ولم يسلم من غمزاته أحد حتى أرسطو ، ليستحق أن يحتفل وطنه ولسانه بذكراه.
ليت شعري، أيفاخر العرب الموالي، فخرا لا غبار عليه، بغير الجاحظ والمتنبي والمعري؟ لقد قضت الشام واجب الاثنين وما بقي غير هذا، فهل تهتم العراق بابنها العبقري، ولو بعد فوات الأوان؟
التقى الجاحظ وابن سينا في حرم العقل، وأحب كلاهما الحياة وملاذها، وإذا كان الشيخ الرئيس ابن سينا قد عالج الجسد، فالجاحظ هو أول من طبب العقل وفك عقاله، وإني لا أستطيع القول، ولا ينكر علي أحد ما أقول: إن الجاحظ هو أول عربي دق باب الإيمان المصفح بيد الفكر الحر، ففتح أمام الفارابي وابن سينا والمتنبي والمعري وغيرهم باب الشك في «جاحظيته» ثم في كتبه، فجرأ ابن سينا على القول فيما بعد:
صفحة غير معروفة