مجلة البحوث الإسلامية

مجموعة من المؤلفين ت. غير معلوم
72

مجلة البحوث الإسلامية

تصانيف

طمعا في أن يوافق حكمه أهواءهم وتحريفهم للتوراة، فلما حكم بينهم بالحق تولوا وأعرضوا، إذ لا يجتمع الإيمان مع عدم تحكيم شريعة الله، بل مع عدم الرضا بحكمها كذلك، لأن عدم الرضا من التولي قال تعالى: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ (١) إن حقيقة الإيمان هي التصديق القلبي الذي يظهر أثره في السلوك العلمي، ودعوى الإيمان باللسان مع التولي والإعراض عن تحكيم الشريعة دعوى كاذبة لدى المنافقين. ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ (٢) أما سلوك الإيمان لدى ذويه فهو السمع والطاعة لما جاء عن الله وما جاء عن رسوله ﷺ انقيادا لحكم الشريعة، وهؤلاء المؤمنون الذين يتصفون بذلك هم المفلحون، لأن سبيل الفلاح هو الاستقامة على مناهج الله وشرعه ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (٣) فمنطق الإيمان هو منطق التسليم المطلق لقضاء الله وقضاء رسوله، وعلى هذه القاعدة يجب على الأمة المسلمة أن تبني منهجها في الحياة بكل شأن من شئونها، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإلا كانت عاصية ضالة، ولا خيرة للمؤمنين في سلوك منهج آخر ما داموا متصفين بالإيمان. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ (٤) فالإيمان بوحدانية الله، يعني أنه لا عبودية إلا لله، فلا عبودية لصنم أو وثن، أو مخلوق، أو هوى، أو قانون وضعي، أو نحو ذلك مما يكون الخضوع فيه لغير الله، وتكون الطاعة فيه لغير شريعة الله ذلك لأن العبودية لله وحده تفترض الاهتداء بهديه وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه كما جاءت على لسان رسل الله إلى البشر.

(١) سورة المائدة الآية ٤٣ (٢) سورة النور الآية ٤٧ (٣) سورة النور الآية ٥١ (٤) سورة الأحزاب الآية ٣٦

ثانيا: النصوص القرآنية الدالة على تحكيم الشريعة الإسلامية يحسن قبل استعراض النصوص القرآنية الدالة على وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية أن نقف على ما يأتي: أ - إن الدين يطلق على كل ما جاء عن الله تعالى من الأوامر والنواهي وكل ما ثبت عن السنة النبوية الصحيحة

1 / 74