﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ (١).
وأما قيامه مقامه ﷺ في إبلاغها للناس، وتعليمها للجاهل، فيدل له قوله ﷺ فيما رواه البخاري بسنده: «ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب (٢)»، وما رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي أنه ﷺ قال: «بلغوا عني ولو آية (٣)»، وما رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن ابن عباس، أن النبي ﷺ قال: «تسمعون، ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم (٤)».
وأما قيامه مقامه ﷺ في الإنذار بها، فيدل له قول الله (تعالى): ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ﴾ (٥) مع قوله (تعالى): ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ (٦).
وبهذا يتضح لنا ما للمفتي في الشريعة الإسلامية من منزلة عظمى، حيث كان يتبوأ مقام النبي ﷺ فيما قدمناه من أمور، ويخبر عن الله (سبحانه)، ويوقع شريعته على أفعال المكلفين (٧).
* * *
(١) سورة التوبة الآية ١٢٢
(٢) صحيح البخاري العلم (١٠٥)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٧).
(٣) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٦١)، سنن الترمذي العلم (٢٦٦٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٥٩)، سنن الدارمي المقدمة (٥٤٢).
(٤) سنن أبو داود العلم (٣٦٥٩)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٢١).
(٥) سورة هود الآية ١٢
(٦) سورة التوبة الآية ١٢٢
(٧) ينظر الشاطبي، الموافقات، ت عبد الله دراز، مصر، المطبعة الرحمانية، ٤/ ٢٤٤ - ٢٤٦.
شروط المفتي
يشترط العلماء في المفتي بمعناه الاصطلاحي - الذي رجحناه فيما مضى - شروطا كثيرة، وأهمها ما يأتي:
١ - الإسلام: فلا يمكن لأحد أن يتبوأ منصب الإفتاء إلا حين يكون مسلما، وهذا الشرط مما أجمع الناس عليه (١)؛ إذ أنه يخبر عن الله، وينوب عن رسوله ﷺ ويتلقى الناس ما يقوله على أنه دين الله (تعالى)، ولا يتصف بذلك إلا من كان مسلما.
٢ - التكليف: وذلك بأن يكون المتولي لهذا المنصب بالغا عاقلا، وهذا الشرط مما أجمع عليه أيضا (٢)، فإن الصبي لا حكم لقوله في مثل هذا، والمجنون مرفوع عنه القلم، فلا يتسنى له أن يحتل مكانة الإفتاء.
(١) أحمد بن حمدان الحراني، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، مشق، نشر المكتب الإسلامي ط أولى، ص١٣
(٢) المصدر نفسه والصفحة نفسها
1 / 162