لم يبال غريغور وظل يرقص ويرقص وكأنه في عرس. - أعلم أنك لست فرحا بالرحيل بقدر فرحك بسبب بانوس الذي أصبح لا يملك عذرا لعدم المجيء معنا. - نعم، إنه لا يريد ترك القرية من أجل «باتيل». - يا لك من ماكر! لن أصر عليه بالمجيء معنا، فليبق في القرية، لا أريد أحدا يبقي قلبه وعقله هنا، ويأتي معي بجسده فقط .. الهدف الذي أنوي الوصول إليه يحتاج منا التركيز عليه فقط. - لكن بانوس لا يستطيع تركنا «لقد ابتلاه الرب بصديقين مجنونين، وهو العاقل المسكين».
قالها غريغور وهو مغمض العينين ويحرك يديه كالشعراء عند إلقائهم القصائد .. أثناء ذلك أقبل بانوس، وهو يبتسم. - ما بال المجنون يحرك يديه كالشعراء، هل يظن نفسه «نرسيس شنورهالي»؟! - لا، إنه يدعو الرب لأجلك. -فليدع الرب بأن يخلصه من جنونه. - بانوس، اسمعني جيدا، بعد الأخبار السارة التي أتى بها والدي من عند الوالي، أنا وغريغور قد عزمنا الرحيل، أما أنت فلست مضطرا لذلك، تستطيع البقاء هنا لا أريدك أن تحرج، القرار لك. - دعاني أفكر بالأمر جيدا. - فكر كما تشاء، لديك ثلاثة أيام فقط، بعدها لن تجدنا في القرية. •••
مرت الأيام الثلاثة سريعة، تجهز أرتين للسفر، وكالعادة كان أول تنبيه له من قبل المختار ألا يغرر به هناك وينضم للثوار، وشدد على ذلك، قال أرتين في نفسه: «لا أدري هل كان بالفعل محقا أن خطر الثوار على الأرمن أكبر من خطر العصابات، أم إنه كان خائفا من نقمة الوالي عليه إذا سمع أن ابن المختار «تلمكيان» قد أصبح مع الثوار، أو ما يسميهم الحكومة العثمانية ب «المتمردين»، كان هذا التساؤل يشغل ذهن أرتين دائما.»
حل فجر يوم الرحيل، حضر غريغور وقد ارتدى أجمل ما لديه من الثياب، نظر إليه أرتين مبتسما: يبدو أن بانوس قد قرر عدم المجيء؛ فمنذ ذلك اليوم لم نره. - أنا كنت متأكدا أنه لن يأتي لأنه «جبان». - لا تظلمه يا غريغور.
تحركت العربة مبتعدة عن القرية شيئا فشيئا إلى أن سمعوا أحدهم ينادي: توقفوا.
توقفوا! سآتي معكم. -وقف غريغور على العربة ووضع كفه فوق عينيه عله يعرف من المنادي. - إنه بانوس!
ابتهج أرتين وضرب كفه بكف غريغور من الفرح، ثم صاح: - أيها السائق، توقف قليلا، هنالك من يريد المجيء معنا.
توقفت العربة، فوصل بانوس وهو يلهث، سحبه أرتين من يديه وأجلسه قربه على العربة، ثم مضوا في طريقهم. - أخبرنا ما الذي حدث معك في الأيام الثلاثة التي لم نرك فيها؟ حسبنا أنك لن تأتي معنا وتخجل من قول ذلك. - كنت أفكر في ماذا سأقول لباتيل، أبي أخبرته بالأمر وقلت له إنكما معي فلم يمانع، لكن المشكلة كانت عندها هي، البارحة ليلا بالكاد استطعت إخبارها بالأمر، عندما سمعت بالسفر بدأت تبكي، قلت لها سآتي كل شهر وأراك فيه لا تقلقي، وأجلب لك هدايا جميلة من هناك، لكنها لم تكف عن البكاء.
رفع غريغور رأسه إلى السماء وقال: لماذا أنا لا أشعر بهذا؟! جميل أن تبكي فتاة من أجلك، سأجرب الحب هناك مع فتيات وان الجميلات، نعم سأجعلهن يولولن على فراقي. - أنت؟ إن كن بنات القرية لم يعجبن بك، هل تريد بنات المدينة يبكين من أجلك أيها الفتى الوسيم؟ - دعكم من هذا الهراء، أكمل يا بانوس، كيف أقنعتها بالمجيء معنا. - لم تقتنع إلى أن قلت لها سأذهب هناك للعمل وأجمع ما يكفي من المال لأجل زواجنا، هنا سكتت ومسحت دموعها وقالت: أحقا ما تقول؟ قلت لها أجل؛ فهناك أجور العمال كبيرة، سأجمع المال بوقت قصير وأرجع إليك، اطمئني.
هكذا استطعت إقناعها، كان الوقت متأخرا حينها ولم أستطع إخباركما أني سآتي .. وشكرا للرب الذي جعلني ألحق بكما قبل فوات الأوان.
صفحة غير معروفة