فربت كتفها شاكرا، وأخرج من جيبه خطابه إلى سلمى وناولها إياه قائلا: «كل ما أرجوه منك هو أن توصلي هذا الخطاب إلى سلمى يدا بيد، دون أن يعلم بذلك أي أحد، وإذا سألك أحد من أبويها عمن خرجت لمقابلته الآن، فلا تذكري أي شيء عني، فهل فهمت؟»
ثم نفحها ببعض النقود، فتمنعت عن أخذها مؤكدة أن رضاه عنها هو كل ما تتمناه، لكنه أصر على أن تأخذ تلك النقود فأخذتها، وعاد هو في العربة من حيث أتى. فلما وصل إلى محطة السكة الحديدية، تذكر ما فكر فيه أمس من السفر إلى الإسكندرية، وخشي أن تعاوده الحمى بعد الظهر فتقعده عن تحقيق هذه الرغبة، فهبط من العربة ونقد سائقها أجره، ثم دخل المحطة فابتاع تذكرة سفر إلى الإسكندرية، ثم اشترى بعض الصحف وجلس يتسلى بمطالعتها في القطار.
قلبان يحترقان
كانت سعيدة منذ مرض سلمى تبالغ في التقرب إليها والتظاهر بالتفاني في خدمتها، وهي على يقين من أن مرضها ليس إلا نتيجة لانقطاع سليم عن زيارتها. وكانت تتوقع أن تكاشفها سلمى بأمرها بعد أن وثقت بها، وحينئذ تنتهز الفرصة لتحملها على إغفال شأن سليم وقطع علاقتها به إلى الأبد، لتمهد بذلك لتحقيق رغبة سيدتها وردة في تزويجه بابنتها إميلي.
على أن سلمى رغم ثقتها بسعيدة واستئناسها بالتحدث معها بقيت حريصة على كتمان أمرها مع سليم، ومضت الأيام وسعيدة لا تجد الفرصة للتحدث معها في شأنه.
فلما جاء سليم وأعطاها ذلك الخطاب لتسلمه لسلمى، خشيت أن يكون فيه ما يعيد العلاقة بين الحبيبين إلى ما كانت عليه من الصفاء، ولا يبقى لها بعد ذلك سبيل إلى النجاح في مهمتها، فلما عادت إلى المنزل، أبقت الخطاب معها دون أن تسلمه لسلمى. ثم غادرت المنزل بعد قليل، وتوجهت مسرعة إلى منزل داود صديق سيدتها وردة لكي تطلعه على ذلك الخطاب وتستشيره فيما تصنع به.
ولاحظت سعيدة على داود دلائل القلق والارتباك منذ وقعت عيناها عليه بعد وصولها إلى منزله، وسألته في ذلك فقال لها: «نعم إني في قلق شديد، لأني تلقيت الآن خطابا من الإسكندرية بوساطة البريد، فلما فضضته وجدته موجها إلى سليم من والدته، تدعوه فيه إلى موافاتها في الإسكندرية في أقرب وقت مستطاع.»
فقالت سعيدة: «إن سيدتي وردة هي التي تكتب بخطها خطابات والدة سليم، فهل هذا الخطاب ليس بخطها؟»
قال: «إنه بخطها من الداخل والخارج كالمعتاد، وهذا هو الذي يقلقني.»
فلم تفهم سعيدة مراده واستوضحته الأمر فقال لها: «إنني أخشى أن تكون سيدتك قد كتبت خطابين في وقت واحد، أحدها لسليم باسم والدته وهو هذا الذي تلقيته الآن، والآخر لي لكنها أخطأت أيضا ووضعته في الظرف الذي كتبت عليه عنوان سليم. ولعل فيه من الأسرار ما كان يجب ألا يعلم به سليم.»
صفحة غير معروفة