وكان يقيم بالقاهرة شتاء، ثم يعود إلى الإسكندرية فيقيم بمنزله في جهة محرم بك هناك.
واتفق ذات صيف وهو في الإسكندرية أن سكنت في المنزل المجاور لمنزله سيدة من أهل المدينة كانت على شاكلته من حيث دناءة الطبع وخسة النفس وسوء الخلق، فتوطدت العلاقات بينه وبينها، وكثر تردده لزيارتها، حتى تناقل أهل الحي أحاديث لا تسر عن وجود علاقة آثمة بينه وبين السيدة وردة جارته الجديدة.
وكانت وردة هذه قبل انتقالها إلى هذا المنزل تسكن منزلا في شارع المسلة قرب محطة الرمل، بجانب منزل فؤاد، شقيق سليم ولما كانت السيدة والدة فؤاد وسليم من أطيب الناس قلبا وأخلصهم طوية، فقد خدعتها مظاهر اللطف والرقة والغنى التي كانت تبدو على جارتها وأسرتها. وكان لوردة ابنة حسنة الخلقة بارعة الجمال تدعى «إميلي» تربت على يدي والدتها فاكتسبت منها الدهاء وسعة الحيلة والاستهتار. وتحدث أهل الإسكندرية بجمالها وخفتها وغناها، ولكنها لم تلق خاطبا حتى جاوزت الثلاثين من عمرها.
فلما تعرفت والدتها إلى والدة سليم، أخذت تظهر لها كل الميل وتبالغ في التقرب إليها، وكلما اجتمعت بها أكثرت من التحدث بجمال ابنتها إميلي وحسن تربيتها وكمالها، وكانت الفتاة بدورها تظهر الوداد والاحترام للسيدة والدة سليم.
واتفق في أثناء ذلك أن عاد سليم من أوروبا حيث كان قد توجه إليها لدراسة المحاماة، فأقام حينا بمنزل أخيه، وأعجبت به الفتاة ووالدتها كثيرا. أما هو فكان خلي الذهن من شواغل الحب لاهتمامه بأمر مستقبله واشتغاله بالمطالعة والتنقيب في الكتب.
على أن ذلك لم يمنع الفتاة وأمها من الاحتيال لإيقاعه في شباكهما، واستطاعت وردة إغراء والدته بمكرها ودهائها حتى حملتها على خطبة ابنتها له دون علمه، على أن تحببها إليه وتقنعه بأن يتزوج بها بعد حين.
ومضت وردة تكثر من تقديم الهدايا لوالدة سليم، وتبالغ هي وابنتها في إظهار الود والاحترام لها، حتى بعد سفر سليم إلى القاهرة وإقامته بها، وتعدانها بالسعادة الدائمة إذا تم اقتران سليم بإميلي.
أما فؤاد، شقيق سليم فكان مشغولا بمصالحه الخاصة، ولذلك لم يكن يتدخل في شئون والدته، ولا فيما دار بينها وبين وردة وابنتها من الحديث.
وكانت والدته لشدة إخلاصها لوردة لا تخفي عليها شيئا، فلما كتب إليها سليم من القاهرة بأنه أحب سلمى، واعتزم خطبتها تكدرت وذهبت بالكتاب إلى وردة وأطلعتها عليه، فأخذت هذه تقذف في حق سلمى مع أنها لا تعرف عنها شيئا وقالت لها: «إن الناس قلما يخلصون لأحد، وإن ولدك سليما يستحق فتاة تليق به، وسيان عندي تزوج ابنتي أم سواها، ولكني لا أرضى له مثل تلك الفتاة!»
ثم أشارت عليها بأن ترد على خطابه ذاكرة له أن العادة المتبعة تقضي بألا يتزوج الشاب وفق اختياره هو وحده ، وبأن عليه أن يترك أمر اختيار الزوجة لوالدته، ثم تحذره من المضي في صلته بسلمى.
صفحة غير معروفة