الجهاد بين عقيدة المسلمين وشبه المستشرقين
الناشر
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السابعة عشرة العددان السابع والستون والثامن والستون رجب-ذو الحجة ١٤٠٥هـ
سنة النشر
١٩٨٥م
تصانيف
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ الآية١ وكان لذلك أكبر الأثر في انتشار الإسلام بصورة واضحة بين القبائل العربية منذ صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة، وأخذت الوفود تترى إلى رسول الله ﷺ حتىٍ عددَّ ابن سعد في الطبقات عند ذكره لوفود العرب على رسول الله ﷺ واحدًا وسبعين وفدًا٢ وقد جاءوا إما عن رغبة صادقة أو رهبة وخوف، لأن الإيمان هبة من الله يمنحها الصادقين من عباده، فعندما جاءت بنو أسد إلى النبي ﷺ وقالوا: يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك، فقال رسول الله صلى الله وسلم: "إن فقههم قليل وإن الشيطان ينطلق على ألسنتهم"، ونزلت هذه الآية ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ الآية٣.
ثم إن الرسول ﷺ واصل جواده بعد أن ضرب الإسلام بجرانه في الجزيرة العربية، فأرسل الكتب إلى كبار الملوك آنذاك في العالم الحيَّ يعرض عليهم اعتناق الإسلام، فبعث إلى إمبراطور الروم وإلى نجاشي الحبشة وإلى كسرى ملك الفرس، والمقوقس صاحب الإسكندرية (مصر) وإلى أمراء الغساسنة وغيرهم٤ فأجاب بعضهم إجابة مهذبة وثار آخرون وتوعدوا. وتأكيدًا لتحقيق تلك المرحلة من مراحل الدعوة٥ حدثت بعض الغزوات، وأعد الرسول ﷺ بعث أسامه بن زيد، وهو البعث الذي أنفذه الخليفة أبو بكر الصديق ﵁.
ولكن الدعوة الإسلامية واجهت صراعًا متصلًا بين المبادئ الإسلامية الداعية إلى الوحدة والإخاء والمساواة والسلام، وبين الإتجاهات العنصرية الداعية إلى عصبية القبيلة والتفكك والإنقسام. واشتد ذاك الصراع عقب وفاة الرسول ﷺ مباشرة، فحدث ارتداد العرب عن الإسلام، والذي مثّل مظهرًا من مظهرًا التصادم بين العقيدة الإسلامية وبين القبلية الجاهلية، فقد انتعشت روح العصبية لدى بعض الزعامات القبلية التقليدية والتي لم يكن قد وقر الإيمان في قلوب بنيها، تلك العصبية التي حار بها الرسول ﷺ وقضى عليها.
ولكن الخليفة أبا بكر الصديق ﵁ تصدى لكل ذلك في قوة ورباطة جأش
_________
١ سورة الأحزاب الآية ٢١.
٢ ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، ج ١ ص ١ ٢٩- ٣٥٩، (بيروت دار صادر) .
٣ سورة الحجرات آية ١٧ انظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٢١٨.
٤ ابن سيد الناس، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ج ٢ ص ٣٢٩ ط ٣ (بيروت، ١٤٠٢ هـ) .
٥ أنظر هذا البحث ص ٢ (مراتب الدعوة) .
1 / 75