قال أترسون المحامي: «سأفعل هذا بكل جهدي.» وقد أشعره بالارتياح أن إينفيلد لن يطرح المزيد من الأسئلة، فقال: «دعنا نتصافح بشأن هذه المسألة وندع الأمر وشأنه.» تصافح الرجلان ومضيا قدما في سيرهما، وقد قضيا بقية وقتهما صامتين.
الفصل الثالث
حوار مع الدكتور لانيون
كان من عادة السيد أترسون في ليالي الأحد أن يمضي وقته مستمتعا بقراءة كتاب جيد إلى جانب المدفأة ثم يأوي إلى الفراش عند منتصف الليل. غير أنه في تلك الليلة جلس ليتناول عشاءه وهو مغتم؛ فقد كانت أمور كثيرة تدور برأسه كما كان يعاني عسر هضم طفيف. حالما رفع الطعام من أمامه، ذهب إلى حجرته الخاصة وفتح الخزنة وأخرج بعض الأوراق الخاصة، وكان مكتوبا على أحد المظاريف «الوصية الأخيرة للدكتور هنري جيكل». فتح السيد أترسون المظروف وجلس عابس الوجه. ولم يكن أترسون راضيا عن بنود الوصية. بل في واقع الأمر تجادل مع الدكتور جيكل حول محتويات الوصية: نصت الوصية على أنه في حال موت الدكتور جيكل - أو اختفائه لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر - تئول كل ممتلكاته إلى السيد إدوارد هايد. ورأى أترسون أنه أمر غريب إلى حد بعيد أن يترك جيكل ثروته بأكملها لرجل واحد. كان أترسون أحد الأصدقاء المقربين إلى جيكل، غير أنه لم يكن يعرف أي شيء عن السيد هايد إلى أن أخبره إينفيلد بقصته. كان أترسون منزعجا أيما انزعاج من عبارة «أو اختفائه لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر». فما الذي يمكن أن يضطر أي شخص إلى أن يدرج مثل تلك العبارة في وصيته؟ هل يظن دكتور جيكل أنه قد يختفي؟ رأى أترسون أن في هذا ضربا من ضروب الجنون، على أنه لم يكن من جيكل إلا أن ضحك على ما يقوله أترسون. ولم يكن في وسع المحامي أن يفعل شيئا سوى أن ينزل عند رغبة أصدقائه. غير أن أترسون أصبح في غاية السخط والحنق الآن لدى علمه أن هذا الرجل الذي يدعى هايد وغد في حقيقة الأمر. لماذا يتورط صديقه الطيب جيكل مع مثل هذا الرجل؟ أعاد أترسون الأوراق إلى الخزنة بقلب حزين وقلق شديد على صديقه.
لم يستطع أترسون أن يفكر في الخلود إلى النوم وهو في مثل هذه الحالة، لذا ارتدى معطفه وغادر إلى «ميدان كافنديش»، حيث يقطن صديقه الدكتور لانيون. فكر أترسون في نفسه: «لو أن أحدا يعرف شيئا عن هذا الرجل الذي يدعى هايد، لكان لانيون.» لانيون وجيكل وأترسون يعرف بعضهم بعضا منذ حداثتهم، ومرت عليهم أوقات لا ينفصلون فيها. مع ذلك مرت سنون عديدة، ندر ما التقى الأصدقاء فيها. ومضى كل من لانيون وجيكل، على وجه الخصوص، في طريقهما. قرع أترسون باب الدكتور لانيون.
رحب دكتور لانيون بصديقه القديم ترحيبا حارا وقال: «لقد مر وقت طويل يا أترسون منذ أن رأيتك، أين كنت مختبئا؟» كان لانيون رجلا يتمتع بوافر الصحة والنشاط، وجهه أحمر وشعره أبيض تماما. وكان منزله مزخرفا على نحو جيد ومؤثثا بالأرائك والمقاعد الوثيرة، وبدت كل غرفة دافئة ومريحة للغاية، فدائما هناك ألسنة لهب متأججة، وكثير من أضواء الشموع في كل مكان. كان لانيون يستمتع بالصحبة والحديث الطويل مع أصدقائه، وكانت ضحكته عالية مدوية عادة ما تتردد أصداؤها في جنبات منزله.
تسامر الصديقان لبعض الوقت حول الأيام الخوالي وما حدث منذ آخر مرة تحدثا فيها؛ أخبره أترسون أن مزاولته لمهنة المحاماة تسير على ما يرام، وحدثه لانيون عن بعض مرضاه وذكر أنه يتوق إلى التقاعد. أخيرا، عرض المحامي سبب زيارته في هذه الساعة المتأخرة من الليل: «أظن يا لانيون أننا قطعا كنا أقدم صديقين لدكتور جيكل.»
قهقه لانيون وقال: «كنت أتمنى أن لو كنا صديقين أصغر سنا. لكن أتفق معك فيما قلته. وما في هذا؟ نحن نادرا ما نلتقي.»
قال أترسون: «حقا؟ لقد ظننت أنكما تتمتعان بالكثير من الاهتمامات المشتركة. فلكونكما طبيبين، ثمة الكثير لتتناقشا فيه.»
رد لانيون: «لقد كنا كذلك. لكن منذ أكثر من عشرة أعوام أصبح جيكل غريبا لأبعد حد بالنسبة لي؛ لقد بدأ يضطرب، يضطرب أيما اضطراب، في رأيي. وكانت تراوده أفكار شاذة للغاية وغير مبنية على أسس علمية بالمرة. ولست أرى أن أفكاره وتجاربه كانت غير علمية فحسب، وإنما أيضا غير مقبولة أخلاقيا. لقد كان يسعى نحو بلوغ نتائج خطيرة. بوضوح تام، لم أستطع أن أواصل تعضيده. قطعا بصفتي صديقا قديما، ما زلت أهتم بأن يحيا حياة كريمة، لكنني لا أريد أن أتورط معه كثيرا.»
صفحة غير معروفة