3
لزيارة الشيخ والتبرك به، ويجزلون الإحسان ويعطون العطاء الكثير وخصوصا النساء فإنهن يكثرن الصدقة ويتحرين أفعال الخير، وصلينا بمدينة الماجر صلاة الجمعة، فلما قضيت الصلاة صعد الواعظ عز الدين المنبر - وهو من فقهاء بخارى وفضلائها وله جماعة من الطلبة والقراء يقرءون بين يديه - ووعظ وذكر وأمير المدينة حاضر وكبراؤها، فقام الشيخ محمد البطائحي فقال: إن الفقيه الواعظ يريد السفر ونريد له زوادة، ثم خلع فرجية مرعز كانت عليه وقال: هذه مني إليه، فكان الحاضرون بين من خلع ثوبه ومن أعطى فرسا ومن أعطى دراهم، واجتمع له كثير من ذلك كله.
ورأيت بقيسارية هذه المدينة يهوديا سلم علي وكلمني بالعربي، فسألته عن بلاده، فذكر أنه من بلاد الأندلس وأنه قدم منها في البر ولم يسلك بحرا وأتى على طريق القسطنطينية العظمى وبلاد الروم وبلاد الجركس، وذكر أن عهده بالأندلس منذ أربعة أشهر، وأخبرني التجار المسافرون الذين لهم المعرفة بذلك بصحة مقاله.
ورأيت بهذه البلاد عجبا من تعظيم السناء عندهم وهن أعلى شأنا من الرجال، فأما نساء الأمراء فكانت أول رؤيتي لهن عند خروجي من القوم رؤية الخاتون زوجة الأمير سلطيه في عربة لها، وكلها مجللة بالملف الأزرق الطيب وطيقان البيت مفتوحة وأبوابه، وبين يديها أربع جوار فائقات الحسن بديعات اللباس، وخلفها جملة من العربات فيها جوار يتبعنها، ولما قربت من منزل الأمير نزلت عن العربة إلى الأرض ونزل معها نحو ثلاثين من الجواري يرفعن أذيالها، ولأثوابها عرى تأخذ كل جارية بعروة ويرفعن الأذيال عن الأرض من كل جانب، ومشت كذلك متبخترة، فلما وصلت إلى الأمير قام إليها وسلم عليها وأجلسها إلى جانبه ودار بها جواريها وجاءوا بروايا القمز فصبت منه في قدح وجلست على ركبتيها قدام الأمير وناولته القدح فشرب، ثم سقت أخاه وسقاها الأمير وحضر الطعام فأكلت معه وأعطاها كسوة وانصرفت.
وعلى هذا الترتيب نساء الأمراء وسنذكر نساء الملك فيما بعد، وأما نساء الباعة والسوقة فرأيتهن وإحداهن تكون في العربة والخيل تجرها وبين يديها الثلاث والأربع من الجواري يرفعن أذيالها، وعلى رأسها البغطاق وهو أقروف مرصع بالجوهر وفي أعلاه ريش الطواويس، وتكون طيقان البيت مفتوحة وهي بادية الوجه؛ لأن نساء الأتراك لا يحتجبن، وتأتي إحداهن على هذا الترتيب ومعها عبيدها بالغنم واللبن فتبيعه من الناس بالسلع العطرية، وربما كان مع المرأة منهن زوجها فيظنه من يراه بعض خدامها، ولا يكون عليه من الثياب إلا فروة من جلد الغنم وفي رأسه قلنسوة تناسب ذلك يسمونها الكلا. (9) معسكر السلطان في بش دغ
وتجهزنا من مدينة الماجر نقصد معسكر السلطان وكان على أربعة أيام من الماجر بموضع يقال له (بش دغ) ومعنى (بش) عندهم خمسة وهو بكسر الباء وشين معجم، ومعنى (دغ) الجبل وهو بفتح الدال المهمل وغين معجم، وبهذه الجبال الخمسة عين ماء حار يغتسل منها الأتراك، ويزعمون أنه من اغتسل منها لم تصبه عاهة مرض.
وارتحلنا إلى موضع (المحلة) فوصلناه أول يوم من رمضان فوجدنا المحلة قد رحلت، فعدنا إلى الموضع الذي رحلنا منه؛ لأن المحلة تنزل بالقرب منه، فضربت بيتي على تل هنالك وركزت العلم أمام البيت وجعلت الخيل والعربات وراء ذلك، وأقبلت المحلة وهم يسمونها (الأردو) بضم الهمزة فرأينا مدينة عظيمة تسير بأهلها فيها المساجد والأسواق ودخان المطبخ صاعد في الهواء وهم يطبخون في حال رحيلهم والعربات تجرها الخيل بهم، فإذا بلغوا المنزل نزلوا البيوت عن العربات وجعلوها على الأرض، وهي خفيفة المحمل، وكذلك يصنعون بالمساجد والحوانيت.
واجتاز بنا خواتين السلطان كل واحدة بناسها على حدة، ولما اجتازت الرابعة منهن وهي بنت الأمير عيسى بك - وسنذكرها - رأت البيت بأعلى التل والعلم أمامه وهو علامة الوارد، فبعثت الفتيان والجواري فسلموا علي وبلغوا سلامها إلي وهي واقفة تنتظرهم، فبعثت إليها هدية مع بعض أصحابي ومع معرف الأمير تلكتمور، فقبلتها تبركا وأمرت أن أنزل في جوارها وانصرفت وأقبل السلطان فنزل في محلته على حدة. (10) ذكر السلطان المعظم محمد أوزبك خان
واسمه محمد أوزبك بضم الهمزة وواو وزاي مسكن وباء موحدة مفتوحة، ومعنى خان عندهم السلطان، وهذا السلطان عظيم المملكة، شديد القوة، كبير الشأن، رفيع المكان، قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمى، مجتهد في جهادهم، وبلاده متسعة، ومدنه عظيمة، منها (الكفا) و(القرم) و(الماجر) و(أزاق) و(سرداق) و(سوادق) و(خوارزم) وحضرته (السرا)، وهو أحد الملوك السبعة الذين هم كبراء ملوك الدنيا وعظماؤها، وهم مولانا أمير المؤمنين ظل الله في أرضه، إمام الطائفة المنصورة الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة، أيد الله أمره وأعز نصره، وسلطان مصر والشام، وسلطان العراقين، والسلطان أوزبك هذا، وسلطان بلاد تركستان وما وراء النهر، وسلطان الهند، وسلطان الصين.
ويكون هذا السلطان إذا سافر في محلة على حدة معه مماليكه وأرباب دولته، وتكون كل خاتون من خواتينه على حدة في محلتها، فإذا أراد أن يكون عند واحدة منهن بعث إليها يعلمها بذلك فتتهيأ له، وله في قعوده وسفره وأموره ترتيب عجيب بديع، ومن عادته أن يجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في قبة تسمى قبة الذهب مزينة بديعة، وهي من قضبان حشب مكسوة بصفائح الذهب، وفي وسطها سرير من خشب مكسو بصفائح الفضة المذهبة وقوائمه فضة خالصة، ورءوسها مرصعة بالجواهر.
صفحة غير معروفة