Jules Ladmir
في مؤلفه (الحرب في الشرق وفي بحر البلطيق في خلال الأعوام من 1853 إلى 1856 المجلد الأول ص41)
La Guerre en Orient et dans la Baltique, pendant les Années 1853 â 1856 Tome 1, page 41 :
قبل أن ينسحب الروس انتقموا من سلستره بأن صوبوا إليها مقذوفات مدافعهم وأصلوها نارا حامية لم يروا مثلها في التاريخ، واستمر إلقاء هذه المقذوفات ثلاثة أيام وثلاث ليال فحطم عددا كبيرا من المساجد والمآذن والمساكن، وأهلك كهولا ونساء وأطفالا مع أنه ليس لهذا العمل أي مبرر من الوجهة العسكرية.
وأظهرت حامية المدينة كلها وبالأخص حصن (طابية العرب) صبرا وجلدا وتفانيا عجيبا في الدفاع بإخلاص، وبعد هذا الوداع المتوج بالدماء انصرف الروس تاركين أمام سلستره 15 ألف جثة، وقتل وجرح خلق كثير من جنرالاتهم وضباطهم العظام.
أما حامية المدينة فقتل منها 3000 نفس، وجرح عدد يقرب من هذا العدد. ا.ه.
والآن نسوق للقارئ ما رواه مكاتب (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر في 16 ديسمبر سنة 1854م عن مدينة سلستره، وحصن طابية العرب، والجنود المصرية التي كانت تحميه من غارات الروس المتوالية عليه، وقد زار هذا المكاتب المدينة المذكورة بعد ستة أشهر من جلاء الروس عنها، وهاك ترجمة ما رواه:
إن بين مشاة سلستره 3000 من المصريين منهم أولئك الأبطال حماة طابية العرب الأمجاد، وقد خرجنا إلى الطابية المذكورة راكبين طبعا ورافقنا بضعة من الجنود المكلفين بالدفاع عنها بفرح وسرور، وذكروا لنا ما وقع لهم من الحوادث وهم أهل أنس وبشاشة وحديثهم ظريف مليح، وقد تهللت وجوههم بشرا عندما رأوني أتكلم بلغتهم العربية؛ لأنهم كانوا مصريين، وقد تآخوا معنا تآخيا زائدا، وطفنا صحبتهم بالحصن كله فلم نجده أمرا عسيرا إن هو إلا خندق ومتراس، ومع ذلك فإنه قد صد ما كانت أوروبا بأسرها تحسبه أقوى جيوش العالم وأحسنها نظاما، والذي قاده قائد طوى السنين الطوال في ميادين القتال، وانتصر في مواقعها، وهو عندهم وحيد لا يبارى، وفريد ليس له ند، وقاهر لا يغلبه أحد، والمصريون المرافقون لنا كمرشدين قصار القامة رثة ملابسهم، وقد أطالوا الحديث عما فعلوا حتى ردوا الروس خائبين، وكان السرور باديا على محياهم حين كانوا يحدثوننا عن ذلك، وقد قال أحدهم: «أكلت وشربت ونمت ودخنت لفافتي وانتصرت وراء هذا السور.» فقلت: «نعم ما فعلت.» فقال: «ما شاء الله.» وما كان هو من فعل الله، والحمد لله والشكر له جل جلاله، ألم يقل على لسان نبيه عليه السلام: سلم تسلم؛ أي: توجه إلى الله وحده واترك أمر نفسك إليه وهو يحميك، فهو راعي الرعاة وحافظ الحفظة، وكذلك كان، فهؤلاء المساكين كل قوتهم كامنة في الزهد عن الخمر، وكل حولهم مستقر في جلدهم على احتمال الشدائد، وكل سلاحهم إيمان راسخ ويقين بالله متين، يتعصبون لدينهم، ويتغالون في معتقدهم، وتعصف بهم العواصف وهم ثابتون؛ لأنهم على إله السماوات والأرض معتمدون، وتتزعزع الجبال وهم لا يتزعزعون؛ لأنهم برب العالمين مؤمنون، لا يرهبون الموت في الحرب بل يرغبونه ويقدمون عليه؛ لأنه خاتمة المتاعب ومفتاح باب الجنة، هؤلاء هم الذين ردوا قوة تفوقهم في العدد عشرين ضعفا، وصدوا جنودا يقودهم مهرة القواد ولم يكن لهم من مزايا الموقع ما ساعدهم على هذا الفوز كما قد يسبق إلى الذهن، بل الأمر على عكس ذلك؛ فإن موقع طابية العرب كان بحيث يسهل الاستيلاء عليه أكثر من غيره، والحصن لا يستحق اسما غير حصن ميدان.
وقد قال أصحابنا الأدلاء: إن الروس كانوا يطلقون النار بمهارة وإحكام، وإن رصاصهم وقنابلهم - على حد تعبيرهم - كانت تحصد كل شيء أمامها حتى العشب، ولكنهم إذا دارت رحى الحرب عن قرب كانوا كالنساء، وزاد أصحابنا على ذلك قائلين: «ذبحناهم كالنعاج ولم يرجع منهم رأس واحد، أما رءوس القتلى وآذانهم فكنا نلقيها إلى الكلاب.».
وهكذا كان يمر اليوم بعد اليوم حتى تفقدنا المواقع كلها، وكلما كثر ما نرى كلما زدنا تعجيبا. ا.ه.
صفحة غير معروفة