وفيها تمام أخبار السيد ناصر بن محمد صبح الغرباني، وذلك أنا قد ذكرنا رجوع [76/ب] الإمام -عليه السلام- من وادعة وجهات الظواهر وحوث، ولما فسح للجنود نزغ الشيطان نعوذ بالله منه جماعة من الأهنوم وعذر والعصيمات على يد بعض السادة لهوى وحسد، وتوعدوا للخلاف عليه، وأطمعوا السيد ناصر بن محمد في شهارة وجعلوا الميعاد طلوع النار في شهارة الفيش في ليلة سموها، والسيد ناصر يقدم فيها إلى كحلان عذر(1) وأبرموا ذلك. فاتفق أن الشيخ حسن بن مجلي بن وهان والشيخ مانع بن محمد الغيثاني أتهم كل واحد منهما صاحبه، فكان اجتماعهم ليلا وللشيخ حسن بن مجلي زوجة خارج القفلة من قرن الوعر(2)، فركب حصانه إلى بيته الأسفل فرآه بعض أصحاب الشيخ مانع فقال له ابن وهان قد غدر وعزم عند الإمام، فقام الشيخ مانع وركب حصانه وسار(3) إلى الإمام -عليه السلام-، فلحقه ابن وهان وكانت قضيتهما مثل قضية نعيم بن مسعود(4) ولكنهما من دون إرادة وإنما ذلك من فضل الله. فلما وصلا عند الإمام -عليه السلام- أخبراه، وقد كان وصل الإمام -عليه السلام- بعض أهل شهارة الفيش وأخبره بخبر شهارة، فأرسل الإمام -عليه السلام- أربعة أنفار أو خمسة، عشروا فيها(5) بالبنادق وطلبوا أهل شهارة، وعامة الناس حينئذ لا علم لهم بالفساد. فعاد السيد المذكور من جانب الطريق، وكان قد قرب منها، وتنبه الإمام وجمع العساكر الكثيرة ثم خرج إلى صور(6) أقام فيها خمسة أيام يتفقد أهل شهارة الفيش ويقرر أحوالهم، ثم خرج إلى جانب المحراب(7) ووادي رجح(8) وأراد هدم دور، فعطفته المراحم النبوية، ثم تقدم إلى الهجر وكاد الأهنوم يميد بأهله (رهبة ممن دخل في ذلك وحياء ممن لم يدخل) (9)، فغطى أمورهم واحتملها وعادت الأمور إلى المحبوب والحمد لله رب العالمين. ثم طلع -عليه السلام- شهارة المحروسة بالله، وفي يوم خروجه -عليه السلام- من الهجر هبت ريح زعزع(1)مخالفة للعادة:
قال سيدنا القاضي شمس الإسلام أحمد بن سعد الدين أطال الله بقاه: أنها كادت تحمله لولا دفاع الله عنه، ولأنه سكن في الأرض [77/أ] حتى رفعها الله سبحانه وتعالى.
ومن هذا الفصل بل هو أهمه ذكر جمل من عمارة المدارس الإمامية في شهارة المحروسة بالله وغيرها من الهجر والمواضع المعتادة وغيرها، وهو -عليه السلام- يوزع لهم النفقات والكسوة في شهارة وصعدة والظفير وغيرها من بلاد الترك. وكان -عليه السلام- مشغوفا بالعلم والعلماء مما رأيته من إقباله -عليه السلام- أن الجهاد على ساقه والمرافع تضرب في المراتب، وهو يدبر الجيوش وينظم كفايتهم من القليل إلى الكثير، والكتب في أوقات القراءة المعتادة مفتوحة، والمراجعة في فنون العلم مستمرة، ويكفيك أنه لا يعلم منه انقطاع القراءة لو بلغ من الإشتغال ما بلغ وفي أي موضع.
حتى لقد روى الثقات ممن يعرف نشأته أنهم لم يروه خاليا بغير القراءة ولا يلعب مع الصبيان. وجرت العادة أن يوم الجمعة يستريح فيه الصبيان ويعدون له ويفرحون بقدومه وأنه لا يفارق المدرسة فيه. وكان هذا دأبه حتى مضى لسبيله -صلوات الله عليه-، وهذا عارض من الحديث ولا بد له من فصل إن شاء الله تعالى والله الموفق.
صفحة ١٩٩