ذكر ولاية السيد عبد الله بن عامر بلاد الحيمة وكان بعض قبائل الحيمة كره ولاية السيد العلامة أحمد بن علي الشامي عافاه الله، والقاضي عماد الدين يحيى بن أحمد المخلافي عافاه الله وادعوا عليهما إهمال سوائقهم وحقوقهم وعدم نفع الإمام -عليه السلام- بمحصول بلادهم. وليس كذلك وإنما هو من بعض مشائخهم حسدا ومشاحة، فوصلوا إلى الإمام -عليه السلام- إلى شهارة المحروسة بالله ولم يقبلوا منه ما دافعهم به من المعاذير، فولى على الحيمة ونواحيها السيد العلامة فخر الدين عبد الله بن عامر بن علي(1) بن عمه رحمه الله، وأرسل معه عيونا منهم السيد العلامة المهدي بن إبراهيم بن جحاف على القضاء والمعاونة، وكذا القاضي العلامة الأديب مجد الدين سعد الدين بن الحسين المسوري خطيبا ومعاونا أيضا، ولم يعين عليه البقاء مستمرا بل يستقر حتى ينتظم الحال وغيرهم، والقاضي العلامة ضياء الدين عبد الهادي بن أحمد الثلائي(2) المعروف بالحسوسة رحمة الله عليه، وكان المشائخ والأعيان من الحيمة الذي وصلوا لطلب الوالي نحوا من أربعمائة نفر فكره من لم يحضر ذلك ولا شاورهم من الرعية وبعض المشائخ، فلم يتلقوا السيد عبد الله بما ينبغي، فأما السيد أحمد أطال الله بقاه فتلقاه بما يحق له ودعى الناس إليه وله موقف حضرته في العر(3) تكلم فيه، وقد حصل منهم تصعب عليه وما لا ينبغي بسعاية من القاضي يحيى بن أحمد المخلافي، فإنه كاد يتميز من الغيظ حيث يسمع عليه فلانا وفلانا فلم يكد يصل إلى السيد عبد الله إلى العر إلا بخطاب وإسهاب، ثم نزل من يناع إلى العر يوم الجمعة بكثرة جموع، فتوهم أهل البلد وزرعهم إذ ذاك ضعيف حاصل أنه ربما يغزهم في بلدهم بكثرة الجيش وتهلك ثمرتهم، وكنت حاضرا، فكفلوا السيد عبد الله على أن يكتب إلى القاضي أن الجموع التي معك لا تصل، وأن من اعتدى على ثمرة الناس فكذا، فازداد القاضي نفورا وكان يوم الجمعة، فأمر السيد بالخروج للجمعة، فوصل القاضي بعد الصلاة وأكثر من الملامة بأن مثلي ومثل هؤلاء القوم، وكانوا نحو ألف وخمسمائة نفر من لا ينتظر للصلاة ولا يقال له مرحبا وكذا، ودخل بعض بيوت العر وقال دونكم أمركم، فاجتمع أولئك الذين معه إلى قريب من باب السيد يحيى بحيث يسمع كلامهم ثم تحالفوا وتعاقدوا على أن القاضي صاحب أمرهم رضي أم كره، وأن لا طاعة عليهم للسيد عبد الله لأجل بني فلان وفلان، وأخذوا من بعضهم بعضا ثيابا، وأن من دخل بلدة رسول السيد عبد الله فهو هدر لهم معيب فيهم، فلما بلغ السيد أحمد دخل فيهم وتقدم إلى وسطهم، فتكلم بكلام ما والله ما سمعت من يتكلم بمثله بديهة في زمننا، ذكرهم بالله سبحانه وحقوقه ثم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وحق عترته ثم الإمام القاسم -سلام الله عليه- وولده والسيد عامر الشهيد وحقه ومحله منهم وإحسانه إليهم وصهارته لبعضهم، وأن هذا ولد الإمام وابن عمه وكذا، ثم ذكرهم بما كانوا فيه من الهوان والذل من الظلمة، فكاد أكثر الناس في تلك الحال ينقض ذلك العقد، وعرفوا خطأهم، وتفرقوا وقد وقع معهم كلامه، ثم افتسحوا بعد الصلاة من القاضي، ثم صلح حال القاضي وبسط نفسه ونفعه للسيد عبد الله، وحصلت الثمرة وجمعها السعاة فأخذتها الأقلام حتى ما يخرج الوالي من القبيلة إلا ويبقى لهم شيء مما عينوه لهم، وفي السيد عبد الله رحمة الله عليه ضيق صدر لا يحتمل كلما رأى، فخرج من العر طائفا في البلاد حتى انتهى إلى بني النمري أعلا الحيمة، ثم مضى ليلا مجدا في السير إلى أن انتهى إلى الصيد من أعمال الظواهر وهي من البلاد الإمامية، ثم كذلك حتى وصل إلى الإمام -عليه السلام- إلى درب الأمير، وتبرأ من أعمال الحيمة وشكى أمورهم. ووافى وصوله عزم محمد باشا لا رحمه الله ووصول فضلي باشا من الروم واليا على اليمن، فأمر الإمام -عليه السلام- [56/أ] بتجديد الولاية للسيد أحمد والقاضي يحيى على العادة ثم إن الإمام -عليه السلام- خرج إلى المسارحة من ظليمة ثم إلى صومل من قحطان وهي أموالهم المعروفة، ثم طلع هنوم وانحدر منه إلى الهجر واستقر أياما.
ذكر ما تفضل الله به من خروج(1) مولانا الحسن رحمه الله
وجاءت البشرى العظيمة والمسرة الكبرى العميمة، [والوعد الصادق الذي بشر به حي مولانا الإمام المنصور بالله -عليه السلام-](2) بخروج مولانا الحسن بن أمير المؤمنين رحمه الله.
قال رحمه الله: أول ما طمعت بالنظر في وجه الحيلة بالخروج من ذلك المكان، وقد ذكر(3) نحو مما تقدم من مشقة الموضع والخوف الشديد من جعفر باشا أنه كان بعض عيون الترك أصحاب الباشا المذكور في الحبس قريبا مني، فكان يجلس عندي في أوقات، فجرى ذكر الحبس وصنعته فقلت له: العرب أحسن تدبيرا في الحبس، فإنهم يجعلونه طابقا في عرض جبل أو بناء ثم يغلقون في الليل ويأمنون وأنتم يعني الترك تفعلون الحبس في القصور الظاهرة ثم تحتاجون كثرة الحرس وكذا من حديث المجالس، فقال لي: بل صنعة العجم أكد؛ لأن المحبوس لا يزال الإختلاف إلى مكانه من الحرس فلا يمكنه أن يحدث في محبسه شيئا إلا عرفوه قبل أن يستحكم، وهذا الذي في حكم باطن الأرض لو يعمل المحابيس فيه نفقا(4) تحت الأرض ما عرفه أحد(5) لعدم الإختلاف إليهم، وأما هذه الدار فكما ترى محيط بها الحي من جميع جوانبها وقد كان بعض الترك شرع في نقب هذا الجانب من الدار وأراه الموضع، فانتهى إلى صخرة فعجز عنها، وقد فتح القضاض والمكان معروف قضاضه جديد مخالف للأغلب في الدار.
صفحة ١٤٧