الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف

عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة ت. 810 هجري
89

الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف

ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير(107)أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل(108)ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير(109)وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير(110)وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين(111) {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض} يعمل منها ما يشاء وهو أعلم بوجه الصلاح فيما يتعبدهم به من ناسخ ومنسوخ، فهو يملك الأمور وتدبيرها ويخربها على حسب ما يصلحكم {وما لكم من دون الله من ولي} أي: من وال يلي أمركم ويقوم به {ولا نصير} ينصركم بدفع المضار عنكم وتحصيل المنافع، وفي هذا تحذير من عذابه إذ لا مانع منه {أم تريدون} أي: بل تريدون {أن تسألوا رسولكم} محمدا {كما سئل موسى من قبل} وذلك أن فريقا قالوا يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبا ووسع لنا أرض مكة فهو أن يقترحوا عليه الآيات كما اقترح قوم موسى عليه السلام حين قالوا أرنا الله جهرة وذلك أن السؤال بعد قيام البراهين كفر ولذلك قال الله تعالى {ومن يتبدل الكفر بالإيمان} أي: ومن يترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها وطلب غيرها {فقد ضل سواء السبيل} أي: غوا قصده ووسيطه، والمراد طريق الحق {ود كثير من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيمانكم كفارا} روي أن فنحاص بن عازورا وزيد بن قيس ونفر من اليهود قالوا لحذيفة ابن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هنتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلا فقال عمار: كيف ننقض العهد فيكم قالوا شديد قال: فإني قد عاهدت أن لا أكفر بمحمد ما عشت فقال اليهود: ما هذا فقد صبأ وقال حذيفة: وأما أنا فقد رضيت بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبراه فقال أصبتهما خيرا وأفلحتما، ونزلت أي: بمعنى كثير من اليهود ارتدادكم عن دينكم {حسدا من عند [47] {أنفسهم} أي: حسدا متبالغا منيعا من أصل أنفسهم {من بعد ما تبين لهم الحق} في التوراة أن قول محمد (1) صلى الله عليه وآله وسلم حق ودينه حق {فاعفوا واصفحوا} أي: أعرضوا عن مساوئ أخلاقهم وكلامهم وغل قلوبهم واسلكوا منهم السبيل العفو والصلح عما يكون منهم من الجهل والعداوة {حتى يأتي الله بأمره} .وهو قتل قريضة وإجلاء بني النظير وإذلالهم بضرب الجزية عليهم، {إن الله على كل شيء قدير} فهو يقدر على الانتقام منهم {وأقيموا الصلاة} أي: افعلوها كاملة الأركان قائمة السنن، {وآتو الزكاة} أي: أعطوها مستحقيها خالصا لله {وما تقدموا لأنفسكم} من الدنيا إلى الآخرة {من خير} أي: من حسنة صلاة أو صدقة أو غيرهما {تجدوه عند الله} محفوظا موقرا {إن الله بما تعملون بصير} أي: عالم لا يضيع عنده عمل عامل {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} أي: قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا النصارى قلت بين القولين ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله لما علم من التعادي بين الفريقين وتضليل كل واحد منهما بصاحبه {تلك أمانيهم} التي تمنوها على الله أن لا يدخل الجنة غيرهم، وهي أماني باطلة مضحكة [48{ {قل هاتوا برهانكم} أي: قربوا حجتكم على ما تقولون من اختصاصكم بدخول الجنة {إن كنتم صادقين} في دعواكم وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين، وأن كل قول لا دليل عليه فهو باطل غير ثابت ثم بين تعالى من يدخلها فقال:

صفحة ٩٦