مسالة: وأما العمق فلا يكون إلا في سطحين متلاصقين أحدهما على الارض، ولا يجتمع الطول والعرض والعمق إلا باتصال سطح مع سطح، وهذه صفة الجسم على موضوع أهل اللغة، ولا يصح عمق إلا مع طول وعرض، كما لا يصح علم إلا مع عقل وحياة، فالحياة شرط العقل. والعقل شرط العلم، فعالم ليس بعاقل محال، وعاقل ليس بحي محال، وكذلك عمق بلا طول وعرض محال، وعرض بلا طول محال.
مسالة: واعلم أنا متى شاهدنا طويلا عريضا ليس بعميق علمنا أنه ليس بجسم، ومتى شاهدنا طويلا عريضا عميقا علمنا أنه جسم، فهذا حقيقة الجسم ومعنى الأقدار الثلاثة التي يتجسم الجسم، والله أعلم.
ولو أخذت في مساعدة ما [32] تدعوني الهمة إليه من إسباغ القول في الأدلة القياسية ودقائق الفكر الهندسية وغرامض العلل الفلسفية لظهر للسامعين ما يهيمون فيه ويتحيرون دون التوصل إلى حقائق معانيه. وفي الذي ذكرناه غنى عن التطويل وكفاية لمن من الله عليه بالهداية إلى أقوم سبيل، وبالله التوفيق.
الباب السادس عشر
باب بيان اختلاف الناس في الجسم وأجزائه
اختلف الناس في أقل ما يتركب منه الجسم من الأجزاء فقال قوم: من جوهرين فصاعدا.
قال المتأمل: ولعل هذا قول الأشعري لأن حد الجسم عنده المؤتلف. وقال قوم: من سنة أجزاء، وذلك باطل؛ لأن الجسم هو الطويل العريض العميق، والمركب من سنة أجزاء لا يختص جميعه بالطول والعرض والعمق.
فال المتأمل: والذي يبين لي أن الصحيح ما ذكرته وأنه لا يتركب إلا من ثمانية أجزاء، والله أعلم.
مسألة: ومن كتاب ((المقالات)) عن البلخى، اختلف الناس في الجسم كيف وهم أربعة أصناف؟
القول الأول: فقال أبو الهذيل، ثلاث وهى ستة أجزاء إذا اجتمعت فبلت الأعراض فصارت جسما من قبل أن الجسم لن ينفك من الطول والعمق، والجهات، يمنة ويسرة، وأعلى وأسفل، وقدام وخلف ولن تكون تلك إلا ستة أجزاء.
صفحة ٤٤