باب بيان ما أوردنا هو جعلنا له الكتاب وقصدناه ثم إنا نعلمكم معاشر المسلمين انا نوزعنا فبي مسألتين من الدين، خولف فيه ما وجدناه عن الأئمة المهتدين، إحداهما في السؤال عن القدرة على قسم الجوهر، والأخرى في الشهادة لمن مات على الدين الإباضي (1) الأطهر، وإنما صدرنا منا على الرفيعة والوجدان، في حلبة المذاكرة لبعض الأخوان، ممن لا يتهم باعتماد زيادة ولا نقصان، فقضى علينا في الإباضية إحداهما بالتخطئة والهلاك، وأخلق علينا في الجوهرية بالكفر والإشراك، فلما أن عظم فيهما المقال، وكثر في معناهما القيل والقال، ولحظتنا بذلك زمرات (2) الأعين، وخرقت أعراضنا أسنة الألسن، نقلنا لهم المسألة الموجودة من الأثر لينعموا (3) في معانيها أكيد النظر، فستر ذلك الفضل ودفن. ثم ثنينا بكتاب آخر مستفتين فما أجيب عنه ولا أعلن، وليس هذا من آداب المسلمين، ولا أخلاق العلماء بالرفق في المتعلمين، أن يخلفوا عليهم بالكفر حيث يحب إنزال العذر. ثم تعرضوا [3] فيهم في مجالسهم في المقال، ويعرضوا عن إجابتهم عند السؤال، لأنه إما باطل ظهر لهم فيقهرونه، وإما حق صح عندهم فينصرونه، إذا لا فضل خلاف ذلك ن ولا منزلة ثالثة هناك، اللهم إلا أن يقع جهل بالجواب، وذهول عن وجه الصواب، فلا شرف أشرف من رد العلم إلى العلام، ولا فخر إلا كما قالت الملائكة عليهم السلام. فعند ذلك استضقنا الوقوف بعد ما سمعناه وخفنا إثم السكون عن إيضاح ما عرفناه، خوفا على ضعفاء المسلمين، ومن هو مثلنا من الإخوة المتعلمين، أن يميلوا إلى التقليد بلا بيان، ولا حجة واضحة ولا برهان، فيقعوا في أعظم المهالك، ويتولجوا أوعر السالك، فكفى بحجج الله القوية، وأدلته المضيئة، لمن أراد الله هداه، ووقاه مهالك هواه، وقد قال الله عز وجل: (بل الإنسان على نفسه بصيرة) (4)، وقال تعالى: (فاعتبروا يا أولى الأنصار) (5). فألفت على كلالة فربحي، وركاكة فهمي وبصيرتي، هذا الكتاب المختصر، وسميته (( الجوهر المقتصر))، مستعينا بالله عليه، وداعيا له أن يجعله وسيلة إليه، إن شاء الله. فاحذروا أيها الإخوان أن تقلدوا في أصول الدين، أو ترغيوا عن آثار أئمتكم المهتدين، فشر طنا عليكم أن لا تعجلو علينا بالملام، ولا تولونا هجر الكلام، قبل تصفح كتابنا، وتأمل ما أوضحناه في خطابنا، فنحن إن شاء الله مبينون وجه العدل فيما قلناه، ومبرهنوه بالأدلة الشاهدة بصواب ما أصلناه، (ولينصرن الله من ينصر إنا الله لقوى عزيز) (6)، ليعلم شارعو أسنة الطعن علينا. ومفوقو سهام التخطئة إلينا، أينا أصح حكما وأقوم قيلا، وأينا أهي عمى وأضل سبيلا، لأن الحق كلما امتحن ابلولج واتسع مضيقه، والباطل كلما فتش بان سقمة وادهمت ظلمه. والعياذ بالله أن نمنى بحسود يتصدى لدخض الحق، وتحمله ما قد كبر في نفسه من أمرنا على مخالفة أهل الصدق، والله كفانا كل شر، الواقى كل مكروه يحذر وضر، وهو القوى المعين.
الباب الثاني
باب صفة المسألة الجوهرية ومعانيها
وبيان الاختلاف والتنازع الواقع فيها
أما المسألة الجوهرية فهي أن قول القائل أيقدر الباري سبحانه وتعالى أن يقسم [4] الجوهر أم لا؟ سؤال صحيح أو مجال؟ وأما الاختلاف الواقع فيها فإنما هو نفس سؤال أته صحيح أم لا؟ ليس في القدرة نفسها، فإن القدرة ليس فيها اختلاف ولا تنازع، فإنما التنازع في إضافة القدرة إلى قسم الجوهر، وإنما يكون اختلافا في القدرة لو اتفقنا على أنه تصح إضافة القدرة إلى قسم الجوهر واختلفنا في أنه يقدر أو لا يقدر، فيقول قائل: إنه قادر على ذلك، ويقول غيره إنه لا يقدر، فهذا هو الاختلاف في القدرة. وإنما نحن فنقول يصح هذا السؤال أم لا ؟ غير أن جملة الكلام في هذا المسألة مقصورة على ثلاثة فصول:
الأول: في بيان أقسام السؤال وإثبات الصحيح منه وإفساد الحال.
الثاني: قي بيان حقائق الأشياء الدالة على المعاني المتعلقة بهذه المسألة.
صفحة ١٠