فصل قال المتأمل: قول الشيخ أبي المنذر هذا كاف في تعرف الحق المسألة الجوهرية غير أن فيه معاني دقيقة ومقاصد عميقة يقصر عن دركها أكثر عقلاء أهل دهرنا وينبو عن التواصل إلى غوامضها أفهام أهل عصرنا [14] إلا من مده الله بنور مبين وعقل راجح وهدى ويقين، وذلك لقلة منافستهم في تعليم الأصول واستهجانهم التغلغل على مثل هذه الفصول. فنحب الآن أن نوضح ما قبين لنا عرفانه من طرقها ونكشف ما ظهر لنا من خفي مستغلقها، شكر الله تعالى على ما أنعم فهدى إليه من الدين وفهم، لا اجتراء على المسلمين وآثار، ولا ادعاء للحوق منارهم، فقد قيل على دين أن يدين لله بكتمانه، ما لم يحتج إليه وهذا موضع الحاجة الداعية لظهور الحادثة الداهية.
وتقتصر على بعض الشروح اكتفاء عن التطويل وتوضح شيئا مقنعا عن التفريع والتأصيل، إذ لو استقصينا مقتضى كلمات الشيخ أبي المنذر هذه لا حتاجت إلى مصنفات كثيرة كان تحت كل نقطة منه تحتج إلى أبواب كثيرة، ذلك ما لا نبلغ نحن إليه فنبدأ فيه بفصل فصل ولأصل لننتهي إلى نفس المسألة الجوهرية إذ الكلام فيما لا يفهم هذيان والمسامحة في الدين عدوان والله القوى وهو المستعان وبه التوفيق.
الباب السابع
باب بيان حدوث العالم من كلام
الشيخ أبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب
قال التأمل: أما قوله: وبعد بيان في حدوث العالم فإن البيان هو إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز الوضوح والعالم عبارة عن كل محدث.
وفي كتاب ((الأكلة)) قال بعض العلماء: وهو من قولهم علم الشيء، أي دليله يقال علم الصحة كيت وكيت، يريدون ما يدل عليه على ما هو به. قالوا: فلما لم يكن من المخلوقات إلا ما يدل على أن له خالقا صانعا سمى الجمع عالما لدلالته على صانعه، فالعال هو المحدث والمحدث هو العالم.
مسألة: والعالم يقسم قسمين لا ثالث لهما، وهى الجواهر والأعراض.
صفحة ٢٢