رغم أن إنسان كينيا عاش في نفس وقت الأوسترالوبيثكوس، يعتبرهما البعض أسلاف الهومو؛ وقد يشير هذا ضمنيا إلى أن إنسان كينيا سليل الأوسترالوبيثكوس (أو العكس)؛ فقد أدت حقيقة أن كليهما ظهرت لديه القدرة على المشي منتصبا إلى إدراج كلا الجنسين في فصيلة القردة العليا، مع جنس الهومو. (2-3) أنواع الهومو المبكرة
ثمة صفات كثيرة تميز الهومو عن أسلافه. على سبيل المثال: شكل الفك والأسنان، التي كانت أصغر لدى الهومو (أخف وأصغر حجما)، والتي كانت أقوى لدى الأوسترالوبيثكوس (أثقل وزنا وضخمة). تتمثل إحدى الصفات الأخرى في حجم الدماغ وتعقيده، تلعب هذه الصفة دورا أساسيا في قصتنا؛ فدونها كان الهومو سيظل مجرد جنس آخر من الرئيسيات، ومع وجودها استطاع صقل قدرة الفضول الفطرية وتحويلها إلى بحث عقلاني، وهي قدرة بدأت مع أول نوع من أمثاله واستمرت في النمو حتى أصبحت إحدى الصفات المميزة للإنسان في عصرنا الحالي.
توجد لدى ليزلي إيلو، من جامعة لندن، فرضية مثيرة للاهتمام حول تطور دماغ الهومو، وفي الواقع تطور الهومو نفسه، مفادها أن أحد أشباه البشر (سواء كان إنسان كينيا، أو الأوسترالوبيثكوس أفارينيسيس، أو أي نوع من الرئيسيات يثبت أنه السلف المباشر للهومو)، عثر مصادفة على هيكل عظمي لفريسة، ظبي مثلا، قتلها للتو والتهمها أحد الحيوانات المفترسة، لم يعد يوجد أي لحم متبق، لكن انتظر، ربما يوجد في الرأس شيء يمكن أكله؛ لذا يأخذ قطعة من الحجارة ليكسر بها الرأس ويفتحه، وبالفعل يجد بدخلها نسيجا لينا يمتصه بشراهة، تكون هذه أول مرة يتذوق فيها اللحم ويعجب بطعمه؛ فاللحم يشعره بالشبع أسرع من الفاكهة والتوت التي اعتاد على تناولها، فيستمر مثل الطير الجارح في البحث عن الحيوانات النافقة. أدى تحول مجموعة من الرئيسيات هكذا إلى نظام غذائي عالي الدهون وعالي البروتين إلى زيادة سرعة نموها وتكاثرها، وتطور مخها على نحو أفضل؛ مما أدى بدوره إلى صنع أدوات أفضل واستخدامها في الصيد، الذي أدى بدوره إلى الحفاظ على نظام غذائي أغنى، وهكذا؛ ومن ثم يحدث التحول من كونها كائنات جامعة للنباتات (رغم أنها كانت على الأرجح تأكل أيضا الثدييات الصغيرة والحشرات، تماما مثل الشمبانزي في عصرنا الحالي) إلى كائنات تأكل كافة أنواع الطعام الذي تجمعه أو تصطاده، وهكذا يحدث تطور كائنات الهومو من أسلافها المباشرة ببطء.
16
لا تعني حقيقة أن بعضا منا ربما عاد إلى نظام غذائي نباتي صارم تلف وظيفة أدمغتنا،
17
فبمجرد اختيار عملية التطور لوظيفة معينة، تظل موجودة؛ فالجينات التي تقوم على أساسها هذه الوظيفة لا تحتاج إلى «تغذية» من المحفز الأصلي؛ فعلى سبيل المثال، نحن نشترك مع معظم الثدييات غير المجترة في عدم استخدامنا للزائدة الدودية، ومع ذلك فإن الجينات المسئولة عن تكوينها لم تختف، كذلك توجد حلمات لدى الذكور من الثدييات، رغم عدم وجود غرض منها.
توجد سمات أخرى تميز الهومو عن أقاربه من الرئيسيات، يمكن أن نذكر من بينها استخدامه الشائع ليده اليمنى، وحقيقة أنه في المتوسط يكون الذكور أطول من الإناث، وتعرض النساء لسن انقطاع الطمث.
18
يتمثل أكثر السمات ارتباطا بموضوع هذا الكتاب في تطور اليد سلسة الحركة. فمنذ نحو 2,5 مليون سنة تقريبا، بدأ ظهور الإبهام كامل الدوران. ولا يسعنا التأكيد بما يكفي على أهمية البراعة اليدوية في تطور الإنسان.
صفحة غير معروفة