41
في حين يجبر آخرون أنفسهم على أن يستعرضوا في أذهانهم كل سؤال محتمل يمكن أن يطرح عليهم في مقابلة الغد (ولا يتمكنون من الحصول على قسط مناسب من الراحة في هذه الليلة نتيجة لذلك). هل تختلف حقا استجابات البشر للمحفزات عن استجابات النباتات؟
هوامش
الفصل الرابع
الحيوانات والإنسان: تطور الصفات البشرية
رأينا في الفصل السابق أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بين الرؤية لدى الحيوانات - التي تعد الرؤية مكونا أساسيا في قدرتها على السعي - وعملية استشعار الجراثيم والنباتات للضوء. يوجد تطابق بين بعض المستقبلات الضوئية، كما أن البروتينات التي تحول تأثير الضوء إلى إشارة تؤدي إلى نمو مختلف (في حالة النباتات) أو إلى حركة مختلفة (في حالة الجراثيم) تنتمي إلى فصائل البروتينات التي توجد أيضا لدى الحيوانات. في حالة البكتيريا، تمكنها بعض هذه البروتينات من البحث عن الطعام بالإضافة إلى الضوء، أما لدى الحيوانات فتلعب دورا في عمليات مثل توصيل الأعصاب التي لها دور محوري في سلوكها. باختصار، إن الجينات التي تحدد شفرة مثل هذه البروتينات «المستشعرة» انتقلت بالوراثة من الجراثيم المبكرة حتى وصلت إلى الإنسان. على مستوى الجزيئات تعمل البروتينات على النحو نفسه، وتتفاوت نتائج أفعالها من كائن لآخر؛ فتتمثل لدى النباتات في البحث عن الضوء، ولدى الجراثيم في البحث عن العناصر الغذائية وتجنب الجزيئات الضارة، ولدى الحيوانات في رؤية الأشياء الموجودة حولها.
مع هذا، لا تعتبر الرؤية إحدى السمات التي تميز البشر عن الشمبانزي. في هذا الفصل سنعود إلى هذه الصفات التي تميزهما، والتي ترتكز عليها قدرة الإنسان الفريدة على البحث: المشية المنتصبة، واليد السلسة الحركة، والقدرة على الكلام، وعدد أكبر من العصبونات في القشرة الدماغية. وأريد في البداية لفت الانتباه إلى عادات الهجرة لدى الحيوانات؛ فقد أدت هذه العادات إلى انتشار البشر في جميع أنحاء العالم، وهو موضوع سنتحدث عنه في الفصل التالي. (1) الهجرة
تتطلب الهجرة بحثا، فتستطيع الحيوانات التنقل والبحث، فرادى أو في جماعات، عن مصادر جديدة للطعام والماء عندما تنفد الموارد الحالية أو تضمحل؛ فيبحث الجراد عن أرض جديدة بمجرد قضائه على النباتات الموجودة في منطقة ما؛ فبسرب يصل إلى 40 مليار جرادة يمكن القضاء على 100 ألف طن من الطعام في هجمة واحدة. أما حيوان الرنة في القطب الشمالي أو الظبي الأفريقي
1
في أفريقيا فلا ينتظران كل هذا الوقت؛ فهي تنتقل طوال الوقت. تؤدي عادة الظروف المناخية إلى العودة إلى أرض مألوفة، فيتكاثر الظبي الأفريقي بالقرب من برك الماء في سيرينجيتي في شرق أفريقيا الاستوائي (في جنوب شرق تنزانيا) في الفترة من ديسمبر إلى أبريل، ومع جفاف البرك، تتجه إلى الشمال الغربي نحو بحيرة فيكتوريا؛ حيث تظل هناك حتى شهر يوليو، ثم ترتحل بعد هذا إلى الشمال الشرقي إلى حدود كينيا حيث تنتظر أول هطول للأمطار، وفي شهر نوفمبر تكون مستعدة لبدء رحلة عودتها إلى الجنوب. تتبع الحمير الوحشية وغزال طومسون والفيلة والأسود وحيوانات أخرى توجد في منطقة سيرينجيتي استراتيجيات مشابهة عندما تنضب برك الماء في نهاية أحد المواسم وتمتلئ مرة أخرى في بداية موسم آخر. في نصف الكرة الشمالي والجنوبي، تحدث الهجرات نتيجة حلول الخريف والربيع؛ فالحوت الرمادي، على سبيل المثال، يسبح 12 ألف ميل من مياه القطب الشمالي في ألاسكا، ليصل إلى حافة ولاية باها كاليفورنيا ليتكاثر في المياه الدافئة لخليج المكسيك في أثناء أشهر الخريف، وفي رحلة العودة في الربيع تكون الإناث حوامل، ولا يلدن إلا عند عودتهن إلى المياه الدافئة في العام التالي (تستغرق فترة الحمل 13 شهرا). تهاجر أنواع كثيرة من الطيور إلى الجنوب حتى تتجنب المناخ الشمالي البارد في فصل الشتاء (وتفعل طيور نصف الكرة الجنوبي العكس)؛ فيسافر بعضها، مثل طيور السنونو والسمامة، من أوروبا إلى جنوب أفريقيا في الخريف وتعود في الربيع. هذا وتفعل طيور الخرشنة القطبية الأمر نفسه؛ إذ تطير أكثر من 12 ألف ميل في كل مرة تذهب فيها من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي والعكس، أما طيور أخرى، مثل الكركي والوقواق، فلا تطير المسافة كلها؛ فتقضي الشتاء في مناطق معتدلة في جنوب أوروبا أو شمال أفريقيا. تواصل بعض الطيور الطيران لفترة قد تزيد عن العام، وتستطيع طيور السمامة قضاء عامين وهي تحلق في الهواء، كما يعرف طائر القطرس بقدرته على الطيران 200 ألف ميل بمتوسط سرعة 40 ميلا في الساعة.
صفحة غير معروفة