هكذا في حالة وجود مجموعة تتكون مثلا من 100 فرد ينحدرون كلهم من نفس الوالدين، فإن هؤلاء الأفراد سيتفاوتون ليس فقط في مظهرهم الخارجي، وإنما أيضا سيتصرفون بعدد كبير من الطرق المختلفة؛ فسيكون عدد قليل منهم أكثر عدوانية من البعض الآخر، وسيكون عدد قليل منهم أكثر خضوعا؛ سيكون بعضهم أكثر ذكاء، وآخرون أكثر غباء؛ سيبرع بعضهم أكثر في صنع أشياء بأيديهم، بينما سيكون آخرون أقل براعة؛ سيكون بعضهم أكثر فضولا، بينما يكون آخرون أقل فضولا. إن طيف السلوكيات والمهارات هائل.
29
تشتمل هذه الصفات بالطبع على الصفات التي ذكرنا في الفصل السابق المميزة للبشر؛ مثل القدرة على العمل باليدين، والقدرة على الكلام، وزيادة وظيفة الدماغ. إذن سيوجد أفراد تزيد لديهم الرغبة في البحث؛ والرغبة في صنع أدوات جديدة، واستكشاف آفاق جديدة، والإفصاح عن أهدافهم على نحو أكثر وضوحا، والبحث عن حلول للمشكلات بحماس وفاعلية، وسيتولى أفراد هذه المجموعة الذين يمتلكون واحدة أو أكثر من هذه الصفات قيادة الآخرين في المغامرات الجديدة؛ فسيصبح هؤلاء هم المسئولين عن عواقب السعي البشري التي سنتحدث عنها في الجزء الثاني.
إذا قارنا مثل هذه المجموعة من 100 إنسان بمجموعة تتكون من 100 شمبانزي تنحدر من نفس الوالدين، فعلى الأرجح سنجد بعض التداخل؛ فلن نجد فقط أن بعض الشمبانزي أكثر خضوعا من إنسان عدواني، وإنما يمكننا أن نقابل شمبانزي أكثر ذكاء من إنسان متخلف عقليا. وهذا بالضبط ما أظهرته التجارب التي أجراها علماء مثل سو سافاج رومبوه؛ فقد ربت سو وزملاؤها قرود شمبانزي منذ ولادتها في بيئة موجودة في مركز أبحاث اللغة في أتلانتا، في جورجيا، حيث علموها كلمات بسيطة، تماما مثل تعليم طفل صغير، وكانت النتيجة أن استطاع أحد قردتها نطق كلمات بطريقة تشبه الطفل المعاق. وإذا كانت أجرت هذه التجربة على 100 شمبانزي، فلربما وجدت واحدا يفوق فعلا في قدرته على التعلم الطفل المعاق. بالطبع على الأرجح يكون الشمبانزي أفضل في تقشير الموز من مريض يعاني من شلل سفلي يواجه مشكلة في استخدام يديه. أؤكد هنا على نقطة ذكرتها مسبقا؛ أن جينات الشمبانزي والإنسان متشابهة للغاية، بحيث يجب علينا ألا نتفاجأ عندما يحدث تداخل أحيانا في الوظائف التي تحددها، مثل القدرة على تنفيذ بعض المهام، فكلانا في النهاية أحفاد لسلف مشترك وتوجد بيننا صلة قوية؛ فقد أثبت بعض أفراد هذا النوع، منذ نحو 6 إلى 8 ملايين سنة، أنهم أفضل في تسلق الأشجار وتطوروا ليصبحوا الشمبانزي الشائع أو الشمبانزي القزم؛ بينما أثبت أفراد آخرون أنهم أفضل في السير منتصبين والبحث عن المفترسات أو الفرائس، وتطوروا ليصبحوا الإنسان العاقل، بينما اتضح أن آخرين
30
أقل كفاءة في ممارسة أي من هاتين المهارتين وانقرضوا. إن ما يميز الإنسان عن الشمبانزي هو اجتماع كثير من الصفات؛ اختر صفة واحدة فقط وربما تجد تداخلا بينها وبين صفة أخرى.
هوامش
الفصل الثالث
النباتات والجراثيم: أصل الرؤية
(1) بداية الحياة
صفحة غير معروفة