شكل 9-2: تصميم لهليكوبتر من رسم ليوناردو دافنشي. أعيد نشرها بإذن من شيلا تيري/مكتبة الصور العلمية، لندن.
كانت تصميمات ليوناردو دافنشي للأجهزة العسكرية سابقة بقرون لعصرها هي الأخرى؛ مظلة الهبوط وبذلة الغطس (فيستطيع مرتديها السير على قاع النهر وإحداث فتحات في الجانب السفلي من قوارب المهاجمين)، وكذلك الدبابة والهليكوبتر (شكل
9-2 ). لم تختبر اختراعاته قط، كما لم يعمل معظمها،
50
لكن هذا لا يعنينا. فخلال تصميم أدوات الحرب توقع ليوناردو أنها ستصبح مستخدمة في الحياة اليومية بمجرد اختراع التكنولوجيا المطلوبة المصاحبة لها؛ مثل محرك الاحتراق الداخلي. صمم كذلك مباني ومدنا - لتقسم إلى أقسام إدارية تقتصر على 30 ألف شخص - مع التركيز على الحياة الرغدة. فكان «... يقسم جموع البشر، الذين يعيشون (الآن) معا في ازدحام مثل قطعان الماعز، يملئون الهواء برائحة كريهة وينشرون بذور الوباء والموت.»
51
خطط لإدخال الصرف الصحي في المنازل، ولوجود الحدائق والشوارع الواسعة على مستويين؛ مستوى للمشاة في الأعلى ومستوى للمركبات في الأسفل. كذلك رأى أن ماكينات الغسيل الآلية ستساعد في الحفاظ على نظافة البيئة (كانت النفايات والفضلات البشرية ما زالت تلقى من المنازل في الشوارع مباشرة).
ثم تأتي رسومه؛ ففي واحدة من أوائل أعماله، التي أصبحت تعرف حاليا باسم «عذراء الصخور»، كان أسلوبه مبتكرا للغاية، خاصة في تصويره لطريقة سقوط الضوء على أجزاء مختلفة من وجه الإنسان، لدرجة أن أخوية «الحبل بلا دنس لمريم العذراء»، التي فوضته بهذا، رفعت عليه دعوى قضائية؛ فلم يكن هذا ما توقعته. كذلك لم تكن لوحة «العشاء الأخير»، التي يعتبرها كثيرون أعظم لوحات ليوناردو دافنشي،
52
أفضل حالا؛ فاشتكى رعاتها بمرارة بسبب تأخيره المبالغ فيه في الانتهاء منها؛ والسبب في ذلك قضاء ليوناردو وقتا في صنع ألوانه، والبحث في شوارع ميلان من أجل العثور على أفراد يتمتعون بما يعتبره ملامح الوجه المناسبة لتصوير المشاركين في الحدث؛ ثم كان يدعو هؤلاء الناس ليجلسوا أمامه حتى يرسمهم إلى أن ينتهي من لوحته الجصية. وحتى آخر لوحاته، «الموناليزا» (الجيوكاندا)، وهي العمل الوحيد الموقع منه والمعروف بانتمائه له وحده، والذي يعكس سنوات من ممارسة الرسم، كانت ثورية في أسلوبها لدرجة أنها أصبحت الصورة الأكثر إثارة للجدل على مدار آخر 500 سنة. يجسد ليوناردو دافنشي، بوصفه فنانا ومهندسا معماريا ومجربا ومخترعا، أفضل من أي شخص آخر؛ الصفات التي تسهم في سعي الإنسان؛ فقد أصبح معروفا بأنه «أعظم عبقري عرفه العالم على الإطلاق» لسبب وجيه.
صفحة غير معروفة