ولما رأينا من ربوع حبيبنا ... بيثرب أعلاما أثرن لنا الحبا وبالترب منها إذ كحلنا جفوننا ... شفينا فلا بأسا تخف ولا كربا
وحين تبدي للعيون جمالها ... ومن بعدها عنا أدنيت لنا قربا
نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن حل فيها أن نلم بها ركبا
نسح سجال الدمع في عرصاته ... ونلثم من حب مواطئه التربا
وإن بقاي دونه لخسارة ... ولو أن كفي تملك الشرق والغربا
فيا عجبا ممن يحب بزعمه ... يقيم مع الدعوة ويستعمل الكذبا
وزلات مثلي لا تعد كثيرة ... وبعدي عن المختار أعظمها ذنبا
... ومن نبويات المواهب:
ألا مع البرق يغتدي ويروح ... أم النور من أرض الحجاز يلوح
أريح الصبا هبت بطيب عرفهم ... أم الروض في وجه الصباح يفوح
إذا ريح ذاك الحي هبت فإنها ... حياة لمن يغدو لها ويروح
ترفق بنا يا حادي العيس والتفت ... فللنور بين الواديين وضوح
فما هذه إلا ديار محمد ... وذاك سناها في البقاع صريح
وإلا فما للكرب هاج اشتياقهم ... فكل من الشوق الشديد يصيح
وأتت مطايا القوم حتى كأنها ... حمام على قضب الأراك تنوح
وقد مدت الأعناق شوقا وطرفها ... إلى النور من تلك الديار يلوح
رأت دار من تهوى فزاد حنينها ... ومدمعها في الوجنتين سفوح
إذا العيس باحت بالغرام ولم تطق ... خفاء فما للصب ليس يبوح
... قال في ((المواهب)): ولما قربنا من المدينة المنورة وأعلامها، وتدانينا من معاينة رباها الكريمة، وآكامها، وانتشقنا عرف لطائف أزهارها، وبدت لنواظرنا بوارق أنوارها، وترادفت وارادت المنح والعطايا، ونزل القوم عن المطايا، أنشدت متمثلا:
أتيتك زائرا وودت أني ... جعلت سواد عيني أمتطيه
ومالي لا أسير علت المآقي ... إلى قبر رسول الله فيه
... ولما وقع بصري على القبر الشريف، والمسجد المنيف، فاضت من الفرح سوابق العبرات، حتى أصابت بعض الثرى، والجدرات.
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
... شعر فائق، وشعور موفق:
صفحة ٢٣