اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
[التوبة: 31] - وكان امرأ قد تنصر - فقال له إنهم لم يعبدوهم، قال له: " بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم " فإذا كان اتباع الإنسان على تحليله الحرام وتحريمه الحلال عبادة فما بالك بما يكون من مخلوق لمخلوق مثله من تعظيم لا يليق إلا بمقام الألوهية.
هذا والعبادة هي الغاية التي لأجلها خلق الإنسان، قال تعالى:
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
[الذاريات: 56] ومن هنا كانت فطرة كل إنسان داعية إليها لما تستشعره من الفراغ الروحي والخواء النفسي بدونها، ومن ثم كانت العبادة تلبية لنداء الفطرة الذي يجلجل من أعماق النفس الإنسانية، وإنما الفطرة وحدها لا تستطيع أن تهتدي إلى العبادة الصحيحة ولذا فإن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه لتوجيه هذه الفطرة إلى الصراط المستقيم، وما من رسول إلا وكانت دعوته الأولى في قومه إلى إفراد الله تعالى بالعبادة
ومآ أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون
[الأنبياء: 25] والعبادة الخالصة لله تعالى توائم بين حركتي الإنسان الاختيارية والاضطرارية، فجسم الإنسان تعد خلاياه بملايين الملايين، وكل هذه الخلايا تتحرك بحسب سنة الله فيها، فإذا انقاد هذا الإنسان وأذعن لربه العظيم وعبده حق عبادته حصل الانسجام التام ما بين هذه الحركات الطبيعية في جسمه وحركته الاختيارية التي ينساق إليها مختارا طاعة لمولاه، ومن هنا نجد الإمام المحقق سعيد بن خلفان الخليلي رحمه الله يعبر في إحدى قصائده النورانية عما يشعر به وهو يسبح لله سبحانه من تجاوب ألسنة لا تحصى فيه مع هذا التسبيح حيث يقول: -
أعاين تسبيحي بنور جناني
فأشهد منى ألف ألف لسان
وكل لسان أجتلي من لغاته
صفحة غير معروفة