240

جواهر التفسير

تصانيف

ومهما يكن فإن هذا الاستخراج مهم ومفيد في مجموعه، وبما أن النفاق يستر مساوئ صاحبه ويضفي عليها ثوبا مهلهلا من محاسن الأعمال والأقوال الظاهرة، كان مدعاة لنمو الرذائل وزيادة النقائص، لأنها تترعرع بعيدة عن أنظار المربين المصلحين، وتستمر في توالدها حتى تكون كل رذيلة منشأ لرذائل، وكل نقيصة محضنا لنقائص، فلذلك قال الله سبحانه: { فزادهم الله مرضا }.

النفاق سبب لزيادة المرض:

إن هذه الزيادة إنما هي نتيجة ما تلبسوا به من قبل، والشاهد عليه العطف بالفاء الموحية بالسببية، وإنما أسندت هذه الزيادة إلى الله لأنه خالق كل شيء، فالتوالد وأسبابه من مخلوقاته، وفي هذا الاسناد ما لا يخفى من التنبيه على خطورة الاسترسال في أعمال النفاق، والانطواء على أدواته الدفينة، فإن من شأن ذلك أن تزداد هذه الأمراض تمكنا في نفس المنافق حتى تستولي عليها وتكون كالشيء الجبلي فيها، فلا يمكنه الفكاك عنها والتخلص منها.

ومن ناحية أخرى فإن أعمال المنافق داعية لغضب الله عليه وحرمانه من التوفيق ورميه بسهم الخذلان، فيظل بذلك منهمكا في غيه، سادرا في غفلته، فيتعمق ضلاله ويستفحل داؤه، وفي ضمن هذا التنبيه على خطورة أدواء النفاق تحذير للمؤمنين من ملابسة المنافقين، ولعل في تنكير مرض في الموضعين ما يوحي بما تقدم، إذ ليس ببعيد أن يكون التنوين في الأول للاشعار بالتنويع والتكثير، وفي الثاني للاشعار باختلاف المرض المزيد على المزيد عليه.

وجملة { فزادهم الله مرضا } خبرية على الصحيح، معطوفة على قوله { في قلوبهم مرض } حالة محل الاستئناف للبيان، فلربما كان الحديث عنهم مدعاة للتساؤل عن سبب انهماكهم في الغي واسترسالهم في الفساد، وعدم إجداء الزواجر والنذر فيهم، فكان في هذه الجملة وفيما قبلها جواب عن ذلك يفيد أن حالتهم ناتجة عن مرض في قلوبهم يتضاعف بمرور الأيام تضاعفا مقدرا من الله فلا طمع في تخلصهم منه، وقيل هي جملة إنشائية أريد بها الدعاء عليهم نحو قول الشاعر:

تباعد عني فطحل إذ دعوته

أمين فزاد الله ما بيننا بعدا

والمراد بالدعاء هنا الايجاب، لأن الله القادر على كل شيء، المصرف لكل أمر يوجب ولا يدعو.

واعترض ذلك ابن عاشور بأنه خلاف الأصل في العطف بالفاء - يعني عطف الجملة الاعتراضية - وبأن تصدي القرآن لشتمهم ليس من دأبه، وبأن الدعاء عليهم بزيادة الغي ينافي ما عهد من الدعاء للضالين بالهداية في نحو " اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون ".

وللقائلين بأنها دعائية أن يدفعوا الاعتراض الأول بأن تصدير الجملة الاعتراضية بالفاء معهود عند العرب كما نص عليه صاحب التلويح، ومن شواهده قول الشاعر:

صفحة غير معروفة