فكان أصول ما أعطاهم من حججه فيهم سواء، كماكانت فروضه عليهم كلهم سواء، فتساوى المعنيان من الله في ذلك: معنى الفرض، والمعنى الذي ينال به الفرض، فكانت فرائض الله على عباده كلهم سواء، وجاء ما تعبدهم به منها سواء على المساواة والإستواء. وكذلك جاءت أصول ما أعطاهم الله من حجة العقل التي ينالون بها أداء هذه الفرائض(1) على قياس ذلك سواء، فاستوت المفروضات عليهم، والحجة التي ينالون أداءها بها فيهم.
فساوى الله سبحانه بينهم؛ في إثبات الحجة عليهم، وإكمال البراهين فيهم، وإيجاد السبيل لكلهم إلى أداء فرضه، وبلوغ طاعته، فكان ما أعطوا من أصل حجة العقل في ذلك بينهم سواء، كما كان الفرض عليهم كلهم سواء.
ثم فضل الله تبارك وتعالى من شاء بعد المساواة بينهم والاكتفاء بما يشاء بعد ذلك من الأشياء، فلم يكن لعباد الله حجة على الله، كما لم يكن لهم حجة فيا خلق وجعل، وفطر من الأشياء وفعل من جعله لبعضهم أهل جمال وهيئة، وجلد وهيبة، وجعل بعضهم أهل لطافة وذمامة، وأهل قلة وسماجة.
فمن تكلم فيما فضل الله به بعض الخلق على بعض في زيادات العقل، وجب عليه أن يجيب فيما فضل الله به بعضهم على بعض فيما ذكرنا من زيادة الخلق، في حسن الألوان، وعظم الأبدان، والكمال والبيان، لا يجد من ذلك بدا؛ لأن المعنى فيهما واحد مؤتلف، متساو غير مختلف. وليس في ذلك للخلق على الله حجة، ولا يلحق به سبحانه لمتعنت تجوير ولا ظلم، ولايثبت به عليه حيف ولا غشم؛ لأنه حكيم يمضي ما كان فيه الحكمة على كره من كرهه(2)، وإرادة من أراده؛ لأن الحكمة هي رأس الحق وأصله، والحق فلا يتبع أهواء العباد، ولو اتبعه لفسدت البلاد والعباد، كما قال ذو العزة والأياد، حين يقول: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن}[المؤمنون: 71].
صفحة ٧٠١