بعد أن أنهى أعضاء هيئة المحلفين بسرعة وباشمئزاز مهمة رؤية الجثة، استقروا في أماكنهم مدركين أهميتهم ومتصنعين التواضع، تلك الطريقة التي تنتمي إلى أولئك الذين بصدد لغز غامض. كان حكمهم مؤكدا بالفعل؛ ومن ثم لم يكونوا بحاجة إلى القلق بشأن الأمور الصحيحة أو الخاطئة في القضية. كان بإمكانهم الانغماس بالكامل في المهمة الرائعة المتمثلة في سماع كل شيء عن أكثر جرائم القتل شيوعا اليوم من شفاه شهود العيان. تفحصهم جرانت بسخرية، وشكر الآلهة على أن لا قضيته ولا حياته تعتمد على ذكائهم. ثم نسي أمرهم وانغمس في كوميديا الشهود المضحكة. كان من الغريب مقارنة الأشياء المقيتة التي خرجت من شفاههم بالكوميديا اللطيفة التي قدموها. لقد كان يعرفهم جيدا الآن، وقد تصرفوا جميعا بشكل ممتع للغاية كما كان متوقعا. كان هناك الشرطي المناوب في طابور صف وفينجتون، متأنقا ولامعا، تلمع جبهته المتعرقة قليلا أكثر من أي شيء آخر؛ دقيقا في تقريره وممتنا للغاية بدقته. وكان هناك جيمس راتكليف، صاحب المنزل النموذجي، الذي يكره شعبيته غير المتوقعة، ويتمرد على ارتباطه بمثل هذه القضية البغيضة، لكنه مصر على أداء واجبه كمواطن. لقد كان من أكثر الحلفاء فائدة للقانون، وقد أدرك المفتش الحقيقة وحياه بداخله على الرغم من حقيقة أنه لم يكن مفيدا. قال إن الانتظار في الصفوف يصيبه بالملل، وما دام الضوء جيدا بما يكفي فإنه يقرأ حتى تفتح الأبواب ويصبح الضغط أكبر من أن يفعل أي شيء سوى الوقوف.
وكانت هناك زوجته التي رآها المفتش آخر مرة تبكي في غرفة نومها. كانت لا تزال تمسك منديلا، ومن الواضح أنها تتوقع أن يتم تشجيعها وتهدئتها بعد كل سؤالين. وقد خضعت لاستجواب أطول من أي استجواب آخر. فقد كانت هي التي وقفت خلف القتيل مباشرة.
قال الطبيب الشرعي: «هل علينا أن نفهم، سيدتي، أنك وقفت على مقربة من هذا الرجل لمدة ساعتين تقريبا ومع ذلك لا تتذكرينه أو تتذكرين رفاقه، إن وجدوا؟» «لكنني لم أكن بجانبه طوال ذلك الوقت! أقول لك إنني لم أره حتى سقط عند قدمي.» «إذن من كان أمامك معظم الوقت؟» «لا أتذكر. أعتقد أنه كان صبيا ... شابا.» «وماذا حدث للشاب؟» «لا أعرف.» «هل رأيته يترك الصف؟» «لا.» «هل يمكنك أن تصفيه؟» «نعم، كانت بشرته داكنة ذات ملامح أجنبية، إلى حد ما.» «هل كان بمفرده؟» «لا أعرف. لا أعتقد ذلك، بطريقة أو بأخرى. أعتقد أنه كان يتحدث إلى شخص ما.» «كيف لا تتذكرين بوضوح أكبر ما حدث قبل ثلاث ليال فقط؟»
قالت إن الصدمة أخرجت كل شيء من رأسها. وأضافت بعدما تحجر عمودها الفقري الجيلاتيني فجأة بسبب ازدراء الطبيب الشرعي الواضح: «علاوة على ذلك، في الصف، لا يلاحظ المرء الأشخاص بجواره. كنت أنا وزوجي نقرأ معظم الوقت.» وانتابتها نوبة بكاء هستيري.
ثم كانت هناك المرأة البدينة، التي كانت تتألق بفستان من الساتان الأسود، وقد تعافت الآن من الصدمة والنفور اللذين ظهرا عليها في لحظة القتل المزدحمة، وأصبحت على أتم الاستعداد لسرد روايتها. كان هناك رضا لا يتزعزع عن دورها، يشع من وجهها الأحمر الممتلئ وعينيها البنيتين اللتين تشبهان أزرار الأحذية. بدت محبطة عندما شكرها الطبيب الشرعي وصرفها في منتصف حديثها.
كان هناك رجل قصير وديع، دقيق مثل الشرطي، لكنه مقتنع بوضوح بأن الطبيب الشرعي لا يتمتع بالكثير من الذكاء. عندما قال ذلك الموظف الذي طالت معاناته: «نعم، كنت على علم بأنه عادة ما يقف اثنان كل بجوار الآخر في الصفوف»، سمحت هيئة المحلفين لأنفسها بالضحك بصوت منخفض وبدا الرجل القصير الوديع متألما. ونظرا إلى أنه لا هو ولا الشهود الثلاثة الآخرون من الصف يمكنهم تذكر القتيل، أو إلقاء أي ضوء على أي خروج من الصف، فقد صرفوا بقليل من الاهتمام.
أخبر الحارس، مشوشا بسعادته لكونه مفيدا للغاية، الطبيب الشرعي أنه رأى الرجل الميت من قبل - عدة مرات. وأنه قد جاء كثيرا إلى وفينجتون. لكنه لم يكن يعرف شيئا عنه. وكان دائما يرتدي ملابس أنيقة. لا، لم يستطع الحارس أن يتذكر أي رفيق، رغم أنه كان على يقين من أن الرجل لم يكن بمفرده عادة.
أحبطت جرانت أجواء العبث التي اتسم بها الاستجواب. رجل لم يصرح أحد بمعرفته، طعنه في ظهره شخص لم يره أحد. كان أمرا مثيرا بحق. لا يوجد دليل على القتل سوى الخنجر، وهذا لا يخبرنا سوى أن الرجل أصيب بندبة على أحد أصابعه أو إبهامه. ولا يوجد دليل ضد الرجل المقتول سوى أن أحد موظفي فيث بروذرز ربما يكون قد عرف الشخص الذي باع له ربطة عنق لونها بني مصفر منقوشة ببقع وردية باهتة. بعد صدور الحكم الحتمي الذين يدين شخصا أو أشخاصا مجهولين بجريمة القتل، ذهب جرانت إلى هاتف وفي ذهنه تدور رواية زوجة راتكليف عن الشاب الأجنبي. هل كان هذا الانطباع من نسج خيالها، خرج إلى الوجود بسبب ما يوحي به الخنجر؟ أم أنه تأكيد حقيقي لنظريته الخاصة بالشامي؟ لم يكن الشاب الأجنبي الذي تحدثت عنه السيدة راتكليف موجودا عند اكتشاف جريمة القتل. لقد كان الشخص الذي اختفى من الصف، والشخص الذي اختفى من الصف قتل الرجل الميت بكل تأكيد.
حسنا، سوف يكتشف من سكوتلانديارد ما إذا كان هناك أي شيء جديد، وإذا لم يكن فسيقوي نفسه بالشاي. فقد كان في حاجة إليه. فالارتشاف البطيء للشاي يساعد على التفكير. وجد جرانت أن التفكير التأملي في الأشياء أكثر إنتاجية، وليس عمليات الجدولة المؤلمة الخاصة بباركر، كبير مفوضي الشرطة. كان من بين معارفه شاعر وكاتب مقالات يحتسي الشاي بوتيرة منتظمة في الوقت التي كان ينتج فيه روائعه. وبالرغم من أن جهازه الهضمي كان في حالة مروعة، لكنه كان يتمتع بسمعة طيبة للغاية بين الأدباء المعاصرين الأعلى مكانة وشأنا.
الفصل الرابع
صفحة غير معروفة