نظر إليه الرجل نظرة جامدة، ولم يعلق فعاد يسأله: جاهز أم تفصيل؟
أجاب الرجل: ممكن تفصل حذاء مثله عند أمين علي بممر الديلمي.
هي إجابة وتخلص من الإجابة معا، قوى سوء الظن به، وكان ممر الديلمي قريبا، ودكان الإسكافي في مطلعه على اليمين، حيا الرجل وقال: أريد تفصيل حذاء أبيض ذي سطح بني.
فأجلسه الرجل على كرسي من القش المجدول، وراح يسجل مقاسات قدميه، وفي أثناء ذلك قال له: رأيت حذاء مثله في قدمي بواب العمارة رقم 11 بشارع 26 يوليو فأعجبني، وهو الذي دلني عليك.
فقال الرجل بهدوء: ليس بين زبائني بواب!
فخفق قلب عمرو سرورا بسلامة تفكيره وقال: لعله أخذه هبة من أحد زبائنك. - يمكن. - هل الطلب كثير على هذا النوع؟ - من النادر أن يطلبه أحد، وطلبك هذا هو الثالث من نوعه في العامين الأخيرين.
فسأله باهتمام متصاعد: والآخران من أي طبقة؟ - أحدهما قارئ والآخر ...
وتردد تردد من خانته الذاكرة فانحنى فوق دفتر متهرئ، وفر صفحاته بسرعة، وعمرو ينظر من فوق كتفه، وقال الإسكافي: حسام فيظي ... غالبا موظف ... لا يوجد في الدفتر إلا العنوان.
وغادر الدكان وهو يحفظ العنوان عن ظهر قلب! •••
انبعث إلهام في صدره بأنه سيرى القاتل، وأنه سيجد فيه نفس الشخص الذي اقتحم الإدارة صباح ليلة الجريمة، وما عليه بعد ذلك إلا أن يقابل المحقق ليعترف بين يديه بكل شيء، أو الأفضل أن يحرر رسالة متضمنة لكافة التفاصيل، وكان البيت يقع في شارع المتولي بمنشية البكري، وهو شارع سكني نصف مساكنه عمارات حديثة، والنصف الآخر بيوت قديمة من دور ودورين، وليس به من محال عامة سوى فرن وكواء، فهو شارع يشعر الغريب الطارئ بغربته، مر أمام البيت عصرا، فرأى في شرفته فتاة فوق العشرين ودون الخامسة والعشرين، أخذ منظرها بلبه فحلم بسعادة الحياة الزوجية واستقرارها الهانئ، قديما أسرته لطيفة بحيويتها وعذوبتها الجنسية، وتعلقها الجنوني به لدوافع قدرية مجهولة، أما هذه الفتاة فمثال كامل للرزانة والحياء والصبر والخلق المتين، وهي زوجة القاتل ولعلها أخته، ولاحظ أن في دكان الكواء امرأة قميئة عوراء تتابعه باهتمام، واستنتج من سلوكها أنها صاحبة الدكان، فأقبل نحوها - اكتسابا للوقت - وسألها عن بيت حسام فيظي فأشارت إلى البيت، وهي تتفحصه بخبث بعينها اليسرى، وقالت: وتلك أخته التي تجلس في الشرفة.
صفحة غير معروفة