ولا أنا ملاك،
أمي حزينة وأختي نفيسا.
أنا إنسان
مثلك تماما،
وقلبي مفتوح.
صوته يسري في أذنيه وهو يمشي. أنا إنسان وقلبي مفتوح. عيناه تمتلئان بالدموع. قدماه حافيتان. يلامس الأرض بأطراف أصابعه. يخشى أن يدوس على ورق الشجر. يخشى أن يطأ أرض الوطن بحذائه، وهي تخلع حذاءها وتمسكه في يدها. تلقيه في البحر وتصفق بيديها. بطن قدمها يلامس الأرض. تعشق ملمس الأرض لبطن قدمها، تضحك وتجري فوق الماء. ثوبها أبيض من الحرير. فوق الأكمام كرانيش من الدانتيلا، تتطاير حولها كالأجنحة. ترفرف في الجو ثم تطير كالفراشة البيضاء. تجتاز الأسلاك فوق السور. تحلق تحت السحب. يراها من بعيد كالسهم الأبيض. تشق السحب وتختفي، ثم تظهر من جديد. تطل في الأفق كنجمة الصباح.
كان واقفا بجوار السور، عيناه شاخصتان نحوها، ذراعاه ترتفعان، أطراف أصابعه تكاد تلمسها. يشب على أطراف أصابعه فوق السور، كالطفل يشب فوق صدر أمه. صوتها يسري في أذنيه من اللامكان. - فين ولدي يا زهرة يا أم العدل والرحمة.
ذراعاها ممدودتان إليه، وهو يشب فوق السور. يرفع جسمه إلى أعلى ويقفز في الهواء، لكن الأرض تشده إلى أسفل. يسقط فوق ظهره وعيناه مشدودتان إليها. يدخل التراب في فمه وأنفه.
ينهض من جديد. ينفض التراب عن جلبابه. يعاود القفز مرة أخرى قفزة وراء قفزة. يرتفع جسمه ويسقط. يرتفع ويسقط. لا يكف عن المحاولة.
كان السور عاليا تعلوه الأسلاك، وقطع من الزجاج المكسور كالمسامير، نتوءات الحجر بارزة مدببة. تسلخت يداه وسقط عنها الجلد. خيوط رفيعة بلون الدم تمشي تتعرج فوق الجلد كالعروق الحمراء. يشربها الجلباب الأبيض من القطن.
صفحة غير معروفة