قميص ثاني فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية ، والناس رعاع ينعقون مع كل ناعق لاتفكير ولاتدبر ، فماذا يكون موقف الحسن اذا ؟ لو افترضناه ، هو « الغالب ».
أما لو كان هو « المغلوب » فاول كلمة تقال من كل متكلم ان الحسن هو الذي ألقى نفسه بالتهلكة ، وسعى الى حتفه بظلفه ، فان معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فابى وبغى ؛ وعلى الباغي تدور الدوائر وحينئذ يتم لمعاوية وابي سفيان ما أراد من الكيد للاسلام وارجاع الناس الى جاهليتهم الاولى ، وعبادة اللات والعزى ، ولايبقى معاوية من أهل البيت نافخ ضرمه ، بل كان نظر الحسن عليه السلام في قبول الصلح ادق من هذا وذاك أراد أن يفتك به ويظهر خبيثة حاله : وما ستره في قرارة نفسه قبل أن يكون غالبا أو مغلوبا ؛ وبدون أن يزج الناس في حرب ، ويحملهم على ما يكرهون من اراقة الدماء.
فقد ذكرنا أن معاوية المسلم ظاهرا العدو للاسلام حقيقة ، وواقعا كان لوجود المزاحم يخدع الناس بغشاء رقيق من التزمت في ارتكاب الكبائر والموبقات ، وما ينطوى عليه من معاداة الاسلام وتصميم العزيمة على قلع جذوره واطفاء نوره ؛ يتكتم بكل ذلك خوفا من رغبة الناس الى الحسن وأبيه من قبل فاراد الحسن أن يخلى له الميدان ، ويسلم له الامر ويرفع الخصومة ، حتى يظهر ما يبطن ، ويبوح بكفره ، ويعلن ويرفع عن وجهه ذلك الغشاء الصفيق ويعرف الناس حقيقة أمره ، وكامن سره ، وهكذا فعل ، وفور ابرام الصلح صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين ، وقال :
صفحة ٩١