وقتلوه ، ثار أو أثاروها الى الطلب بدمه ، وكانت من جراء ذلك واقعة الجمل التي ذهب ضحيتها عشرون الف من المسلمين وفتحت باب الحروب بين أهل القبلة ، وقال احد شعراء العصر يخاطبها ويؤنبها :
وأنت البلاء وانت الشقاء
وأنت السحاب وأنت المطر
وقال الاخر :
جاءت مع الاشقين في هودج
تزجى الى البصرة اجنادها
وهذه النكات الى رشح القلم بها هنا وهي من اسرار دقائق التاريخ والتي قل من تنبه لها انما جاءت عفوا ، وما كانت من القصد في شيء ، انما المقصود وبالبيان ان معاوية وأباسفيان لما بهرهما الاسلام وقهرهما على الدخول فيه حفظا لحوبائهما ، من التلف ؛ اظهر الاسلام صورة واضمرا الكيد والفتك به سريرة ، وبقيا يتربصان فكلما سنحت فرصة لذلك ظهرت ركيزتهم في اقوالهم وفي اعمالهم.
وكان معاوية ادهى من أبيه الذي كبر وخرف في آخر عمره ومن دهائه وعزمه كان تحتفظ بصورة الاسلام مدة امرته بالشام عشرين سنة فلا يصطدم بشعيرة من شعائره ، ولا يتطاول الى اعتراض قاعدة من قواعده فلا يتجاهر بشرب الخمر والاغاني (1) ولايقتل النفس المحرمة ، ولايلعب بالفهود والقرود ، ولايضرب على المزمار والعود ، نعم : قد يلبس الحرير والديباج وطيلسان الذهب ولا بأس بذلك فانه « كسرى العرب » وما اختفظ بشعائر الاسلام الا لحاجة في نفس يعقوب ، ومن باب الهدوء قبل العاصفة والمشي رويدا لاخذ الصيد.
صفحة ٨٦