وعرفتك خروفا حين رأيتك ذات يوم وقد ارتديت بدلة من الحرير الأبيض الناصع، وأخذ يرفرف على صدرك العريض رباط ملون بالأحمر والأبيض يخطف البصر بجمال ألوانه؛ فتلت شاربيك، وغطيت بالطربوش قرنيك، وضربت الأرض بحافريك، ثم إلى المقهى الفاخر أويت، وعلى مائدة في صدر الصفوف استويت، وصفقت تصفيقا ارتجت له الجدران: واحد قهوة يا منولي.
ليس من طبيعة لغتك أن تقول «واحد قهوة»؛ ولو تركت لنفسك لقلت «قهوة يا منولي»، فإن أردت تحديدا عدديا قلت «قهوة واحدة يا منولي». إنك لا تقول لخادمك في البيت - وأنا الآن أفترض فيك ما افترضته في نفسك وهو أنك رجل لا خروف، رجل له بيت وخادم - لا تقول لخادمك في البيت «واحد طبق يا حسن» بل تقول «طبق يا حسن» وإن أردت تحديدا عدديا قلت «طبق واحد يا حسن».
لكن «منولي» جاءك سيدا غازيا، وظن بك أول الأمر خيرا، فحاول أن يخاطبك بلسانك، ولكنه أخطأ في تركيب الكلام وترتيب الكلمات، فانفتحت أمامك بخطئه طرق ثلاثة وكان لك أن تختار لنفسك منها طريقا:
الأول:
أن تعلو بنفسك وتسفل به، وذلك بأن تصححه حين يخطئ فتضع نفسك في موضع الذين يعلمون، وتضعه في موضع الذين لا يعلمون، وبالطبع هؤلاء وأولئك لا يستوون.
والثاني:
أن تعلو بنفسك دون أن تسفل به، وذلك بأن تنطق بلغتك سليمة، وله أن ينطق بها كيف شاء.
والثالث:
أن تسفل بنفسك وتعلو به، وذلك بألا تبين له أنه أخطأ حرصا على شعوره وإبقاء على عزة نفسه؛ لأن الخطأ - على أي نحو جاء - نقص وعيب، فتخطئ أنت في كلامك ليبرأ هو من العيب والنقص.
ولأمر ما يا خروف اخترت لنفسك هذا الطريق الثالث.
صفحة غير معروفة