الخوف من الله عاطفة تنبع من حسن معرفته، وكمال العلم به، فهى ليست وجلا مبهما لا يدرى مأتاه أو نتائجه، بل الخوف شعور واضح بجلال الخلاق العليم، وما ينبغى إكنانه له من مهابة، وإعظام. وكيف لا يخشى جبار السموات والأرض الذى بيده ملكوت كل شئ، والذى لا تماسك شىء إلا بإيجاده وإمداده، والذى لا يعترض غضبه شئ إذا أعلن غضبه على أحد (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير) . إن الإنسان عادة يشعر بانتفاء ذاته أمام من تبهره عظمتهم، وهذا ما يسميه علماء النفس: الشعور السلبى بالذات، وهو شعور يشتبك مع انفعالات نفسية أخرى، فيكون عواطف الإعجاب، والتهيب، وما أشبه ذلك. وأحق من يقف البشر بساحته وهم مفعمون بالخضوع والاستكانة، والزلفى، والاستجداء هو الله جل شأنه الذى ترجع إليه أمورهم كلها فيبت فيها بتا لا معقب عليه (أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور * أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور). وليس أساس الشعور بالخوف من الله هذا وحده، نعم إن المرء يفرق من الهزيمة ومن الفقر، ويقف قلقا مضطربا أمام من يستطيع أن يوقع به شيئا من ذلك، لكن بناء الخشية على ذلك فقط لا يليق. إن الخوف يرتبط بالمعرفة، فإذا رأيت امرءا يتعرض لتيار كهربائى صاعق، أو يتوقف أمام قطار حديدى منطلق فهو إما جاهل أو مجنون. إن العلم بخصائص الأشياء يملى على صاحبه التصرفات المناسبة. ومن عرف الله معرفة اليقين، انمحت من نفسه كل آثار الجرأة والبرود وساورته بين الحين والحين مشاعر الوجل والحذر. وهى مشاعر لا يستغنى عنها حى فى حكم نفسه وضبط سلوكه. ثم هى الباعث الدائم على استرضاء الله، وفعل ما أمر وترك ما نهى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) . على أن الأفراد والجماعات لهم فى جنب الله زلات مخوفة، وكم يقترف البشر من 195
صفحة ١٨٥