فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه، وتنزهوا عنه، فبلغه ذلك فقام خطيبا فقال: ما بال رجال بلغهم عنى أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه، فوالله إنى لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية " . وفى خوف الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه، وفي تخويف المسلمين عامة من بطش الله وعذابه نقرأ قوله تعالى: (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم * قل الله أعبد مخلصا له ديني * فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين * لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون). وقد تضمنت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نماذج إنسانية لأثر هذا الخوف العالى فى تطهير السلوك الإنسانى، وقيادته إذا اضطرب نحو الصراط المستقيم. إن امرأة ضغطت عليها الحاجة حتى ألجأتها إلى التفكير فى تسليم نفسها لمن يملكون المال ولا يملكون الخلق وأولئك فى الحياة كثير!. فلما واجهت المكروه ارتعد بدنها، وتلوى الشرف المكظوم فى نفسها فلم تملك إلا البكاء... عن ابن عمر قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان الكفل من بنى إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله. فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها. فلما أرادها على نفسها ارتعدت وبكت. فقال: ما يبكيك؟. قالت: لأن هذا عمل ما عملته، وما حملنى عليه إلا الحاجة. فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله! فأنا أحرى. اذهبى فلك ما أعطيتك، ووالله ما أعصيه بعدها أبدا. فمات من ليلته، فأصبح مكتوبا على بابه. إن الله قد غفر للكفل فعجب الناس من ذلك " . إن المرأة الطهور سر هذا التحول فى نفس رجل قضى أغلب عمره فى الآثام، ثم 198 سرت فى روحه عدوى الخير والعفاف والتقوى فأقلع عن غيه، واجتث أصول الشر من قلبه، وغيره الخوف من الله، فآلى على نفسه لا يعصيه أبدا. فما أدركه الأجل وهو على هذه النية الجازمة كانت توبته قد غسلت خطاياه، فمات مغفورا له!! إن خشية الله شىء عظيم...!! وإن النذر لتتلاحق فى آيات الكتاب العزيز كى تشعل فى الضمير هذا الشعور الهادى فلا يتعثر المرء ولا يضطرب. وإيقادا لهذه الشعلة، وارتقابا لما يعقبها من آثار سجلت السنة النبوية قصة غريبة لرجل طالت إساءته، فلما احتضر اختلط فى نفسه أمران: خوفه من عقبى ما فعل فى ماضيه الطويل، وجهله الذى حيره فى وسيلة للخلاص منه!. فماذا يصنع؟ امتزج خوفه وجهله فى عاطفة ساذجة ووصاة جمع أولاده على تنفيذها بعد موته. قال عليه الصلاة والسلام: " كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقونى، ثم اطحنونى، ثم ذرونى فى الريح، فوالله لئن قدر الله على ليعذبنى عذابا ما عذبه أحد. فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعى ما فيك ففعلت، فإذا هو قائم. فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا رب، أو قال: مخافتك، فغفر له ".
الرجاء:
صفحة ١٨٨