أما المن فالفضل وهو عبارة عن المنفعة التي أوصلها الله إلينا، وأولها الإيجاد حيا مرزوقا، وأفضلها العقل وثمارها الإسلام ثم سائر النعم ولا تحصى، ويجب مع أول البلوغ أن تعلم أن الله خلق الخلق ورزق الأرزاق منا وفضلا إظهارا لقدرته، وتحقيقا لما سبق من إرادته، ولما حق في الأزل من كلماته لا وجوبا ولا فرضا ولا افتقارا إليهم والاستفادة منهم.
وزعمت الكرامية أن ضمان أرزاق العباد واجب في حكم الله لأن على السيد مؤونة العبد، كما أن عليه خدمة السيد ولأنه خلقهم لا يدرون ما رزقهم وأين هم ومتى هو ليطالبوه بعينه في مكانه ووقته، ولأنه كلفهم الخدمة وطلب الرزق شاغل عنها وخطا وإنما يجب الشيء على من كان مقهورا ولعلهم أرادوا أن جوده أو وعده يقتضي أن ذلك واقع لا محالة، وأما الرزق فالله أمرهم بطلبه ولو أخفى عنهم مكانه وزمانه.
وخلق الملائكة المقربين للقرب والسعادة، وخلق الجن والإنس للابتداء والعبادة: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون). (الذاريات:56)؛ أي ما خلقتهم إلا على حالة يتمكنون بها من العبادة، من لم يجد يعبدني منهم مقطوع العذر.
وقد علم الله بمن يعبه ومن لا يعبه كما تبرأ أقلاما وتكتب ببعض فقط، والغاية لا يلزم وجودها وهي ما يعل الشيء ليتوصل إليه أو ولاية مخصوصة بمن علم الله منه العبادة.
وخلق سائر الخلق للدلالة والشهادة، وفي الملائكة والثقلين أيضا دالة وشهادة، ن ي كل حركة وسكون وغيرهما من المخلوقات دالة على الله سبحانه وتعالى.
وقال أبو العتاهية: الأصنام المعبودة تلعن على يديها وتقر لله بالألوهية.
وقال ابن السيد الأندلسي البطلوسي شعرا:
وفي كل معبود سواك دلائل = من الصنع تبنى لك عابد
وهل في التي طاعوا لها وتعبدوا = لأمرك عاص أو لحقك جاحد.
صفحة ٦١