وقد وجب نصب الإمام على المسلمين إن كان لهم من العدة والمال والعلم ما يكفي وكانوا نصف عدوهم الذي يليهم ويتلقون شوكته، و إلا تغلبت الكفرة على المسلمين وتعطلت إقامة الحدود وهي من تمام الأمر والنهي، ولذا تكلفت الصحابة الإمامة ونقضت النكار والنجدية قولهم بزعمهم أن الإمامة لا تجب ولو كانت شروطها، وأن على الناس أن يقيموا كتاب الله فيما بينهم.
والحجة عليهم ما قرأ قيل من قوله تعالى: ( وأولي الأمر منكم ). (النساء: من الآية59)، فإنه إيجاب لطاعة كبراء الدين أئمة أو غيرهم في طاعة الله دون المعصية لا إيجاب لنصب الإمام.
وما قيل من قوله صلى الله عليه وسلم: “ إن أمر عليكم عبد حبشي مجذع الأنف - أي مقطوع الأنف - فأقام فيكم كتاب اله وسنتي فاسمعوا له وأطيعوه ”؛ لأنه إيجاب للطاعة لا لنصب الإمام.
والمراد المبالغة و إلا فالعبد لا يلي الإمامة العظمى ولا تختص الإمامة بقريش خلافا لمن زعم ذلك، وندين بأن الله أمر ونهى وأمر وناه، ولا يجوز أمر ونهي في الأزل إلا بمعنى سيأمر وينهى، أو بمعنى أوجب الطاعة وحرم المعصية وكون الطاعة حلالا والمعصية حراما.
السادس: " الوعد والوعيد ".
اتفق الموحدون أن الله سبحانه صادق فيهما ونقت المرجئة قولهم بزعمهم أنه يجوز أن يخلف وعيده لأن الخلاف الكريم من الناسي وعيده زين يمدح به، وفيه أن هذا غير لازم فكثيرا ما يذم السلطان بخلاف الوعيد لأنه يؤدي إلى اجتراء الرعية، وكذا غير السلطان، وإن الخلاف لا يكون إلا عن بداء الله لا تبدوا له البدوات.
والحجة على أنه لا يخلف الوعيد كما لا يخلف الوعد: ( ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ) (ق:29)، والإنسان يخلف الوعيد لعجزه أو لجلب منفعة أو دفع مضرة، والله سبحانه وتعالى لا يعجز ولا يلحقه نفع ولا ضر.
صفحة ٤٥