وإثبات الله نفسه رد على الدهرية القائلين بأن الأشياء تكون ما هنالك إلا أرحام تدفع وأرض تبلع، وعلى التنويه القائلين بأن الأشياء تكونت من اثنين نور وظلمة، وفي أحد رد عليهم، أيضا فيما قيل ويتكلف أن الذي هو أهل للتكوين أحد لا اثنان ولا يخفى ضعفه.
وقوله: الصمد: رد على المجسمة القائلين بأنه جسم وأن له بطنا حاشاه، فإن معنى الصمد لا جوف له، والواضح أنه رد عليهم وعلى المشبهة وهم بعض من المشبهة بقوله سبحانه: ( ولم يكن له كفوا أحد).
وقيل: الصمد السيد الذي قد انتهى في السؤدد، وقيل: الصمد المقصود في طلب الحوائج، وهذا من لوازم القول فإن السيد مقصود في الحوائج، وقال الأغمش: السيد الذي لا يطعم.
قيل ونفي التقلب والنقائص كما نفى الكثرة والعدد بقوله: ( هو الله أحد
فالكثرة في الإجراء هو تعالى أحد؛ أي غير مركب من أجزاء والعدد في الجريات، ومعنى لفظ الجلالة جزي يمنع تصور معناه من الشركة والتعدد أو كل من الكثرة والعدد منفي بأحد على أن معناه أنه ليس جسما فيقبل القسمة وأنه واحد في العبادة.
وقوله: ( لم يلد ولم يولد ) ) رد على اليهود والنصارى والمشركين، فاليهود قالت: (عزير ابن الله)، والنصارى قالت: ( المسيح ابن الله)، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله.
ومن شأن الوالدان يكون مولودا فنفي الوالدية التي صرحوا بها والمولودية التي هي لازمة من قولهم، وفي نفي الوالدية ونفي المولودية نفي للعلة والمعلول فليس علة لوجود شيء وإنما يفعل بالاختيار، وزعمت الحكماء لعنهم الله أنه علة تامة في وجود الأشياء فقالوا تقدم العلم.
وقوله: ( ولم يكن له كفوا أحد ) رد على المشبهة، ومن التشبيه التجسيد وإثبات تحيز الذات وتحريف الصفات، وهو أيضا نفي للأضداد والأشكال، وضد الشيء ما يزايله فلا يجتمع معه، وشكل الشيء ما يساويه.
صفحة ١٩