أما إذا كان في حديث المسند زيادة على ما في الصحيحين، أو فيه خلاف لما فيهما، فإن الزيادة المخالفة تحتاج إلى الحكم أيضًا. وما لم يكن من أحاديث الكتاب عند الشيخين، فيحتاج إلى تخريج وحكم. ويكون التخريج بعد الصحيحين من كتب السنن، ثمَّ يُلجأ إلى غيرها من المصادر.
ولم أكن أسعى إلى حشد المصادر، واستيعاب تخريج الحديث من كلّ الكتب، بل كان الرجوع إلى أيّ مصدر لوجود فائدة فيه، إسنادًا أو متنًا، أو لتعليق أو تخريج للمؤلّف أو المحقّق.
وفي الحكم على أحاديث غير الصحيحين، كان الاعتماد على أحكام وأقوال العلماء المُحَدّثين مقدَّمًا ومُقَدَّرًا، فأقوال الترمذي والمنذري والبوصيري وابن حجر والهيثمي، وتصحيحات ابن خزيمة والحاكم وابن حبّان والذهبي، واختيارات الضياء المقدسيّ، كلّ هذا ممّا يُفاد منه، ويُعْتَدّ به، مع التنبّه إلى ما قيل من تساهل بعضهم في التصحيح والتحسين.
وكذلك الحال في الحكم على الرجال، فأحكام أئمّة الجرح والتعديل كأحمد والترمذي وابن أبي حاتم والذهبي والمزّي وابن حجر، يحتجّ بها، ويستند إليها.
ثمَّ كان بعد ذلك الإفادة من محدّثي العصر ومحقّقيه، ممّن شُهد لهم في هذا الفنّ، وقُدّرت تخريجاتهم وأحكامهم على الحديث ورجاله: يأتي في صدارة هؤلاء العالم المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، رحمة اللَّه تعالى عليه، في سلسلتيه الصحيحة والضعيفة - ما طبع منها خلال العمل في الكتاب، وتقسيمه السنن إلى صحيحة وضعيفة، وإرواء الغليل، وتعليقاته على ابن خزيمة والسنّة والأدب المفرد. ثمَّ الشيخ المحدثّ شعيب الأرناؤوط، أمدّ اللَّه في عمره، الذي أفدْت من عمله -ومساعديه- في النصف الأوّل من المسند، فحين شرعت في تبييض الكتاب، كان بين يدي خمسة وعشرون جزءًا من المسند المحقّق، وهي تعدل ثلاثة أجزاء من الطبعة الميمنية للمسند، وقد أشرت فيها إلى الجزء والصفحة ورقم الحديث، أما الأجزاء الثلاثة الأخيرة من المسند، فكان الاعتماد على طبعة الميمنية، هذا إلى رجوعي إلى القسم الأوّل ممّا عمله الشيخ أحمد شاكر في المسند، كما أفدت من تخريجات الشيخ
مقدمة / 42