(ومنها) الأحاديث التي وردت في الجهر بالتسمية ظنوا أن أبا حنيفة خالفها بالقياس وإنما لم يعمل بها لأنها لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك فأما عن بعض الصحابة فقد صح منه شيء ولم يصح الباقي والعجب كل العجب من علي بن عمر الدارقطني حيث صنف كتابا في الجهر بالبسملة تعصب وأورد فيه أحاديث موضوعة فأنكر ذلك عليه المحدثون ورموه عن قوس واحدة فلما قدم مصر قال له بعض المالكية أنشدك الله الذي لا إله إلا هو هل صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديث في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقال لا فلهذا لم يعمل بها أبو حنيفة وإنما عمل بالحديث الصحيح الذي اتفق الشيخان البخاري ومسلم على إخراجه في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وفي لفظ فلم أسمع أحدا منهم يقول ببسم الله الرحمن الرحيم وفي لفظ كانوا لا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم* فلهذا قال رحمه الله لا يجهر خلافا للشافعي رحمه الله تعالى*
(ومنها) الأحاديث التي وردت في الفاتحة نحو قوله عليه السلام لا صلوة إلا بفاتحة الكتاب* وقوله كل صلوة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج غير تمام* ظنوا أن أبا حنيفة لم يعمل بها حيث قال بأن الصلاة بدون قراءة فاتحة الكتاب صحيحة إذا قرأ غيرها ولم يعلموا أنه إنما عمل بها أبو حنيفة وإنما جمع بين الكل أبو حنيفة لأنه قال الصلاة بغير فاتحة الكتاب خداج ناقصة غير تامة فإن كان تركها عمد فهو عاص وصلاته ناقصة غير تامة وإن كان تركها ناسيا يجبر ذلك النقصان بسجود السهو وقال لا صلوة كاملة فاضلة إلا بفاتحة الكتاب لكن لا تبطل بترك الفاتحة للحديث الصحيح الذي تلقته الأمة بالقبول واتفق الشيخان البخاري ومسلم على إخراجه في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم الأعرابي الصلاة فرائضها كلها فقال كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن* والعمل به واجب لأنه موافق لكتاب الله تعالى حيث قال: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} * فلهذا قال لا تبطل الصلاة بتركها خلافا للشافعي رحمه الله تعالى*
(ومنها) تشهد ابن عباس رضي الله عنهما ظنوا أن أبا حنيفة تركه برأيه ولم يعلموا أن أبا حنيفة إنما أخذ بتشهد ابن مسعود رضي الله عنه فإنه أصح ما نقل قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد حديث ابن مسعود ثم قال الترمذي وعليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين*
صفحة ٤٨