84

الجامع لاحكام القرآن

محقق

أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

الناشر

دار الكتب المصرية

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م

مكان النشر

القاهرة

﵇ عَلَى السَّحَرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا جَعَلَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ ﵈ بِالْوَجْهِ الشَّهِيرِ أَبْرَعَ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ الذي أراد إظهاره، فكان السحرة فِي زَمَانِ مُوسَى ﵇ قَدِ انْتَهَى إِلَى غَايَتِهِ، وَكَذَلِكَ الطِّبُّ فِي زَمَنِ عِيسَى ﵇، وَالْفَصَاحَةُ فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ ﷺ. باب التنبيه على أحاديث وضعت في فضل سور القرآن وغيره لا التفات لما وضعه الواضعون، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، قَدِ ارْتَكَبَهَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ اخْتَلَفَتْ أَغْرَاضُهُمْ وَمَقَاصِدُهُمْ فِي ارْتِكَابِهَا، فَمِنْ قَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ مِثْلِ: الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدٍ الْكُوفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الشَّامِيِّ الْمَصْلُوبِ فِي الزَّنْدَقَةِ، وَغَيْرِهِمَا، وَضَعُوا أَحَادِيثَ وَحَدَّثُوا بِهَا لِيُوقِعُوا بِذَلِكَ الشَّكَّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، فَمِمَّا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ ﷺ:" أَنَا خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ لَا نَبِيَّ بَعْدِي إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ" فَزَادَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لِمَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ. قُلْتُ: وقد ذكر ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ (التَّمْهِيدِ) وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ، بَلْ تَأَوَّلَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الرُّؤْيَا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهُمْ قَوْمٌ وَضَعُوا الْحَدِيثَ لِهَوًى يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَيْهِ، قَالَ شَيْخٌ مِنْ شُيُوخِ الْخَوَارِجِ بَعْدَ أَنْ تَابَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ دِينٌ، فَانْظُرُوا مِمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ فَإِنَّا كُنَّا إِذَا هَوِينَا أَمْرًا صَيَّرْنَاهُ حَدِيثًا. وَمِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَضَعُوا الْحَدِيثَ حِسْبَةً كَمَا زَعَمُوا، يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عُكَاشَةَ الْكِرْمَانِيِّ، وَأَحْمَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَيْبَارِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قِيلَ لِأَبِي عِصْمَةَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي فَضْلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ وَاشْتَغَلُوا بِفِقْهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَوَضَعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ حِسْبَةً. قَالَ أَبُو عَمْرٍو عثمان بن

1 / 78