الجامع لاحكام القرآن
محقق
أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش
الناشر
دار الكتب المصرية
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م
مكان النشر
القاهرة
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالنَّفَقَةِ هَاهُنَا، فَقِيلَ: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمُقَارَنَتِهَا الصَّلَاةَ. وَقِيلَ: نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ النَّفَقَةِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الذي أنفقته على أهلك (. وروي عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:) أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﷿ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ أَبُو قِلَابَةَ «١»: وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ [ثُمَّ] قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمْ أَوْ يَنْفَعُهُمُ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَأْتِي إِلَّا بِلَفْظِهَا الْمُخْتَصِّ بِهَا وَهُوَ الزَّكَاةُ، فَإِذَا جَاءَتْ بِلَفْظٍ غَيْرِ الزَّكَاةِ احْتَمَلَتِ الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ، فَإِذَا جَاءَتْ بِلَفْظِ الْإِنْفَاقِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا التَّطَوُّعَ. قَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتِ النَّفَقَةُ قُرْبَانًا يتقربون بها إلى الله ﷿ عَلَى قَدْرِ جَدَّتِهِمْ حَتَّى نَزَلَتْ فَرَائِضُ الصَّدَقَاتِ وَالنَّاسِخَاتُ «٢» فِي" بَرَاءَةٌ". وَقِيلَ: إِنَّهُ الْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ الْعَارِضَةُ فِي الْأَمْوَالِ مَا عَدَا الزَّكَاةَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَرَنَهُ بِالصَّلَاةِ كَانَ فَرْضًا، وَلَمَّا عَدَلَ عَنْ لَفْظِهَا كَانَ فَرْضًا سِوَاهَا. وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ فِي الْإِنْفَاقِ مِمَّا رُزِقُوا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْحَلَالِ، أَيْ يُؤْتُونَ مَا أَلْزَمَهُمُ الشَّرْعُ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَعِنُّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مَعَ مَا نَدَبَهُمْ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ حَظُّ الْقَلْبِ. وَإِقَامُ الصَّلَاةِ حَظُّ الْبَدَنِ. وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ حَظُّ الْمَالِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ" أَيْ مِمَّا عَلَّمْنَاهُمْ يُعَلِّمُونَ، حَكَاهُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ القشيري.
(١). أبو قلابة: أحد رواة سند هذا الحديث. (٢). مثل قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) الآية. ج ٨ ص ٢٤٤ فقد قال ابن العربي إنها ناسخة لآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) الآية انظر صفحة ٣٨١ من الجزء الأول من تفسيره المطبوع بمصر سنة ١٣٣١ هـ. وكذلك روى الجصاص نسخها بها عن عمر بن عبد العزيز.
1 / 179