172

الجامع لاحكام القرآن

محقق

أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

الناشر

دار الكتب المصرية

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م

مكان النشر

القاهرة

السَّابِعَةُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﵇: (وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) وَقَوْلِهِ: (وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ) هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ التَّمَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ" «١» وَقَالَ:" فَإِذا قَضَيْتُمْ «٢» مَناسِكَكُمْ". وَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِلَافٌ فِيمَا يُدْرِكُهُ الدَّاخِلُ هَلْ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ أَوْ آخِرِهَا؟ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مِنْهُمُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ، فَيَكُونُ بَانِيًا فِي الْأَفْعَالِ قَاضِيًا فِي الْأَقْوَالِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالطَّبَرِيِّ وَدَاوُدَ ابن عَلِيٍّ. وَرَوَى أَشْهَبُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَنْ جَعَلَ مَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَأَظُنُّهُمْ رَاعَوُا الْإِحْرَامَ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، وَالتَّشَهُّدُ وَالتَّسْلِيمُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي آخِرِهَا، فَمِنْ هَاهُنَا قَالُوا: إِنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، مَعَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: (فَأَتِمُّوا) وَالتَّمَامُ هُوَ الْآخِرُ. وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِقَوْلِهِ: (فَاقْضُوا) وَالَّذِي يَقْضِيهِ هُوَ الْفَائِتُ، إِلَّا أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى" فَأَتِمُّوا" أَكْثَرُ، وَلَيْسَ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَيَطَّرِدُ، إِلَّا مَا قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ وَالْمُزَنِيُّ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَعَ الْإِمَامِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ إِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مَعَهُ، وَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ قَرَأَ بِالْحَمْدِ وَحْدَهَا، فَهَؤُلَاءِ اطَّرَدَ عَلَى أَصْلِهِمْ قَوْلُهُمْ وَفِعْلُهُمْ، ﵃. الثَّامِنَةُ الْإِقَامَةُ تَمْنَعُ مِنَ ابْتِدَاءِ صَلَاةِ نَافِلَةٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ) خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، فَأَمَّا إذا شرع في نافلة

(١). سورة الجمعة آية ١٠. (٢). سورة البقرة آية ٢٠٠

1 / 166