112

الجامع لاحكام القرآن

محقق

أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

الناشر

دار الكتب المصرية

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م

مكان النشر

القاهرة

الله يغضب إن تركت سؤله ... وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا اسْمَانِ رَقِيقَانِ، أَحَدُهُمَا أَرَقُّ مِنَ الْآخَرِ، أَيْ أَكْثَرُ رَحْمَةً. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا مُشْكِلٌ، لِأَنَّ الرِّقَّةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي شي مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ: هَذَا وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِي، لِأَنَّ الرِّقَّةَ لَيْسَتْ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي شي، وَإِنَّمَا هُمَا اسْمَانِ رَفِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَرْفَقُ مِنَ الْآخَرِ، وَالرِّفْقُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ﷿، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:" إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ". الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ" الرَّحْمنِ" مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ ﷿، لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ:" قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ «١» " فَعَادَلَ الِاسْمَ الَّذِي لَا يشركه فيه غيره. وقال:" وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ «٢» " فَأَخْبَرَ أَنَّ" الرَّحْمَنَ" هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ جَلَّ وَعَزَّ. وَقَدْ تَجَاسَرَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ لَعَنَهُ اللَّهُ فَتَسَمَّى بِرَحْمَانِ الْيَمَامَةِ، وَلَمْ يَتَسَّمَ بِهِ حَتَّى قَرْعَ مَسَامِعَهُ نَعْتُ الْكَذَّابِ فَأَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَعْتَ الْكَذَّابِ لِذَلِكَ، وَإِنَّ كَانَ كُلُّ كَافِرٍ كَاذِبًا، فَقَدْ صَارَ هَذَا الْوَصْفُ لِمُسَيْلِمَةَ عَلَمًا يُعْرَفُ بِهِ، أَلْزَمَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهِ الرَّحْمَنِ: إِنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، ذَكَرَهُ ابْنُ العربي. السادسة والعشرون" الرَّحِيمِ" صفة لِلْمَخْلُوقِينَ، وَلِمَا فِي" الرَّحْمنِ" مِنَ الْعُمُومِ" قُدِّمَ فِي كَلَامِنَا عَلَى" الرَّحِيمِ" مَعَ مُوَافَقَةِ التَّنْزِيلِ، قَالَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى" الرَّحِيمِ" أَيْ بالرحيم وصلتم إلى الله، فَ" الرَّحِيمِ" نَعْتُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وقد نعته تعالى بذلك فقال:" لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ" فَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ وَبِالرَّحِيمِ، أَيْ وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ وَصَلْتُمْ إِلَيَّ، أَيْ بِاتِّبَاعِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَصَلْتُمْ إِلَى ثَوَابِي وَكَرَامَتِي وَالنَّظَرِ إِلَى وجهي، والله أعلم.

(١). آية ١١٠ سورة الإسراء ج ١٠ ص ٣٤٢. (٢). آية ٤٥ سورة الزخرف ج ١٦ ص ٩٥.

1 / 106