109

الجامع لاحكام القرآن

محقق

أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

الناشر

دار الكتب المصرية

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م

مكان النشر

القاهرة

الْأَلْبَابُ وَتَذْهَبُ فِي حَقَائِقِ صِفَاتِهِ وَالْفِكْرِ فِي مَعْرِفَتِهِ. فَعَلَى هَذَا أَصْلُ" إِلَاهٍ"" وَلَاهٌ" وَأَنَّ الْهَمْزَةَ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ كَمَا أُبْدِلَتْ فِي إِشَاحٍ وَوِشَاحٍ، وَإِسَادَةٍ وَوِسَادَةٍ، وَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ. وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ" اللَّهُ" إِلَهًا لِأَنَّ الْخَلْقَ يَتَأَلَّهُونَ إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ شَدَائِدِهِمْ. وَذُكِرَ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ الْخَلْقَ يَأْلَهُونَ إِلَيْهِ (بِنَصْبِ اللَّامِ) وَيَأْلِهُونَ أَيْضًا (بِكَسْرِهَا) وَهُمَا لُغَتَانِ. وَقِيلَ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الِارْتِفَاعِ، فكانت العرب تقول لكل شي مُرْتَفِعٍ: لَاهًا فَكَانُوا يَقُولُونَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ: لَاهَتْ. وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ أَلِهَ الرَّجُلُ إِذَا تَنَسَّكَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ" عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ قَالُوا: وَعِبَادَتَكَ. قَالُوا: فَاسْمُ اللَّهِ مُشْتَقٌّ مِنْ هَذَا، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مَعْنَاهُ الْمَقْصُودُ بِالْعِبَادَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُوَحِّدِينَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَعْنَاهُ لَا مَعْبُودَ غَيْرُ اللَّهِ. وَ" إِلَّا" فِي الْكَلِمَةِ بِمَعْنَى غَيْرِ، لَا بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ" الْهَاءُ" الَّتِي هِيَ الْكِنَايَةُ عَنِ الْغَائِبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوهُ موجدا فِي فِطَرِ عُقُولِهِمْ فَأَشَارُوا إِلَيْهِ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ ثُمَّ زِيدَتْ فِيهِ لَامُ الْمِلْكِ إِذْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ وَمَالِكُهَا فَصَارَ" لَهُ" ثُمَّ زِيدَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا. الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي وَالْخَطَّابِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُفَضَّلُ وَغَيْرُهُمْ، وَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ: أَنَّ الألف واللام لازمة له لا يجوز حذفها مِنْهُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ مِنْ بِنْيَةِ هَذَا الِاسْمِ، وَلَمْ يَدْخُلَا لِلتَّعْرِيفِ، أَلَّا تَرَى أَنَّكَ لَا تَقُولُ: يَا الرَّحْمَنُ وَلَا يَا الرَّحِيمُ، كَمَا تَقُولُ: يَا لله، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ بِنْيَةِ الِاسْمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي اشْتِقَاقِ اسمه الرحمن، فقال بعضهم: لااشتقاق لَهُ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ سُبْحَانَهُ، ولأنه لو كان مشتقا من الرحمة لا تصل بذكر المرحوم، فحاز أن يقال: الله رحمان بِعِبَادِهِ، كَمَا يُقَالُ: رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنَ الرَّحْمَةِ

1 / 103